شعر - حسن الربيح
هي ذِي تُربتي، عَجينُ ودادي
نخلُها مهجَعِي، َوَستري، وزادِي
هي لهَوِي الذي طويتُ خطاهُ
في مدَى قفزةٍ، وحلوِ طرادِ
لم يعدْ لي مِنهُ، سوى رشفَةٍ من
ذكرياتٍ تَرْوِي حنِينِي الصَّادِي
فأنا الآنَ رهنُ وقتٍ جديدٍ
يتهاوَى، ورهنُ وقتٍ مُعادِ
ليس بينَ الوقتين مِن فُرجةٍ ينفُذُ
مِنها تصبُّري، وجِلادِي
غيرَ أني، وحين يجتاحُ أفقَ
الرُّوح، برقٌ من غيرِ ما إرعادِ
يسقُطُ الوقتُ في غيابةِ جُبٍّ
ويغيبُ المكانُ عَن كُلِّ وادِ
ويكونُ الشُّرودُ، سَيِّدَ وَقتِي
وَصَدَى الحُلمِ فِي المَدَى، أَبعادِي
كُلُّ شيءٍ يكونُ بالقُربِ مِنِّي
فكأَنِّي أَعيشُ فِي الآمادِ
ذاكَ بَرقٌ مِن عِشقِها، كُلَّما ضاءَ
أَعادَ اللَّهِيبَ بَينَ الرَّمَادِ
فَأَنا المُكتَوِي بجمرٍ نَدِيٍّ
مِن هَوَاها، أَروِي ظَمَا إِنشادِي
وَأَنَا المُمتَلِي اخِتيالاً، وزهواً
حينَ أخلُو بالذِّكرَيَاتِ الشَّوادِي
فهَواها أَستافُ مِنه مَضاءً،
وَشُمُوخاً يمتدُّ مِن أَجدادِي
وأَرَى فِي الحِجارةِ العَزمَ يَسرِي
شِيدَ فِيها قَبلَ اشتِدادِ العِمادِ
حَدِّثِي تُربَتِي، فَهَذِي دَواتِي
أَرهَفت سَمعَهَا، وَهَذا مِدادِي
مَدَّلِي مِن سَوادِهِ أَجَمل الأَقمارِ
وانسابَ موجُه في فؤادِي
حدِّثِي عن بُناتِها من توارَوْا
وانطوَوْا كالسُّيُوفِ فِي الأغمادِ
فتناستهُمُ سُطُورُ كتابٍ
فرَوَى رملُهم، بلا إسنَادِ
من أيادِي الفلاَّحِ ينسكِبُ الخِِصْبُ
ينابيعَ، بوركتْ من أيادِ
ولَهُ الطَّيرُ يملأُ الحقلَ تغريداً
لينسَى قساوةَ الإجهادِ
ولهُ النخلُ يفرشُ الأرضَ أفياء
فيحميهِ من سمُومِ اتقادِ
ولهُ الزهرُ يُطْلِقُ العطرَ إكراماً
لأنفاسِ طامحٍ زهادِ
وبفكرٍ من المعلِّم تمحَى
ظُلَمُ الجهلِ، من طريقِ الرشادِ
يُوقظُ القلبَ بالضياءِ، ويورِي
حَجَرَ الصمتِ بالبيانِ الشادِي
إنه ذلك السخيُّ بعمرٍ
ليمدَّ الأعمارَ بالآبادِ
إنهُ ما ينفكُّ يُخلصُ للوعيِ
ليمحُو خرافةَ الأجدادِ
إنه ما ينفكُّ يزرعُ في الأذهانِ
أزهارَ حكمةٍ، ويُنادِي:
كان مجدٌ لنا، وما زالَ فينا
ونراهُ في أعينِ الأحفادِ
لم نورِّثهُ للبنينَ، ولكن
سطَّرُوهُ بفكرةٍ، واجتهادِ
وعلى مِعوَلٍ تصوغُ يدُ العامِلِ
صرحاً لنهضةٍ، وامتدادِ
ذكرتهُ المطارقُ الصُّمُّ، تُهدِي
سمعَهُ لحنَ عِشقِهِ للبلادِ
ذكرتهُ الصحراءُ تشرَبُ منه
عرَقَ الصبرِ، أو زُلالَ الغوادِي
إنهمُ من بنوْا حضارةَ أرضِي
وبِهِمْ رِفْعَتِي، وكلُّ اعتِدادِي
فاحمليهمْ يا تُرْبَتِي، تاجَ فخرٍ
فلقدْ توَّجُوكِ بالأمجادِ