يطيب للإنسان حين يتعامل مع الإنسان أن يجد فيه الإنسان..
ماثلاً في قوله وفعله..
ولا يقتصر هذا التطيب والاستطياب عند التعامل مع الآخر على علاقة القريب بالقريب..
أو الجار بالجار.. أو الصاحب بخليله..
بل يمتد هذا الإحساس أيضاً بين زميل العمل ومن معه.. ومريض المصحة وطبيبه..
وطالب العلم ومعلمه..
إذ متى ظللت الإنسانية محيط العلاقة.. نجح كل فرد في دوره.. وتحققت أهداف أدائه..
ونجح في إشاعة الرضا المتبادل..
كثير من الذين نقابلهم يتركون أثراً تستطيب به نفوسنا.. وتطيب به علاقتنا بهم.. من أجل أنهم إنسانيون في تعاملهم، وفي ألفاظهم، لا تسمع منهم إلا ما يشيع الراحة في نفسك, ويطمئنك على صدق عطائهم لك، وأحقية تبادلك معهم ما يستحقونه من التقدير، والتمييز..
لهذه القناعة، كثيراً ما جعلت مبدأ التعامل الإنساني مدار تأسيس قيم العمل عند كل طالبة جامعية انتمت لمسار التدريس؛ ذلك لأنها ستكون في مواجهة يومية مع عدد يتغير، يزيد ولا ينقص ممن ستربطها بهم علاقة التلمذة، والتعليم، العطاء والتلقي.. تلك العلاقة التي إن لم تستوطن الراحة والتطيب في نفوسهم معها.. ولما تؤديه من غرس، وحرث، وزرع، فإنها لن تجدي حصاداً مثمراً فيما سيأتي..
إذ لا هدف لمن يُعلم أجلَّ من أن يُثمر..
ولا أغنى من إثمار الإنسانية، عطاءً، وتفاعلاً, وتبادلاً, رحيماً.. منه في مجال التعليم, وفي أي مجال آخر على مدار، وفي محيط عيش الإنسان مع الإنسان، عند قيام علاقات تبادل بينهما..
فإنسانية التعامل شاهدٌ على تمكُّن المعطي من عطائه.. وتطييبٌ للعلاقة وأجوائها..
فعلى المسار ذاته..
يتطلع الإنسان للطبيب الإنسان..
في أكثر العلاقات قياماً بين الإنسان وحاجته لطبيب..
ذلك الطبيب الذي حين يندرج مريض في قائمته.. فإنه لن ينال الثقة منه فيه.. ولا الاطمئنان لتشخيصه، وتلقي علاجه، إلا متى كان إنساناً في تعامله.. إنساناً في خلقه، ومنتجاً للعلاقة الجيدة بينهما.. ليسهل الوصول لنقطة التقائهما عند نتائج ما يتعلق بسبب تعارفهما..
كنا هنا, في مكاننا الحميم هذا، قد تناولنا العديد من القيم الأساس, تلك التي حين يعاد التفكير فيها, لمراجعة دوامها بين الناس، أو انقراضها في مجتمعهم، في ضوء معمعة الحياة الراهنة، فإننا قد أشرنا إلى أن معطيات الواقع تميل لتأكيد انقراض جلِّها، على الرغم من أن وجودها هو أسٌّ للحياة الجميلة، وشرط لفضيلتها، ووعي بقيمتها..
وتزداد الحاجة إليها في المجالين الطبي، والتربوي التعليمي، ربما أكثر.. دون ريب.
فالواقع لا يضاء إلا بوجود هذه القيم في التعامل، فيمن تقوم علاقاتهم بالآخر في بيئاتهم الوظيفية، المجتمعية من الأطباء، والمعلمين، والمربين..
هناك نماذج لا شك قابلتموها ففرحتم بتطييبهم نفوسكم بإنسانيتهم، وسعدتم بهذا الجسر من فضائل التعامل بهذه القيمة التي تضفي على الحس راحة، واطمئناناً، وتثبت الثقة فيما وفيمن تتعاملون معهم..
ولكم أن تذكروهم لتشكروهم، وتشكروهم لتسهموا في إشاعة إنسانية العلاقة المتبادلة..
ممن يُذكرون فيشكَرونَ، أطباءٌ إنسانيون، يُشيعون طيبَ الفعل، فتستطيبُ بهم مواقف التفاعل.. لم تبعدهم وظائفهم القيادية عن نبض الوجع، ولم تأخذهم هالات المقاعد عن مدارج المثول، ولم يتشاغلوا عن مرضاهم بأبواب مغلقة، بل جعلوا وظيفتهم مدار إنسانيتهم، وفضيلتها، وهم على مدار الزمن قليلون قد مروا بي وبكم.. ينصعون بهذه السمة, وتلح المرآة أمامي بأسمائهم مشرقة كما أفعالهم..
من هؤلاء الأساتذة الدكاترة الأطباء المتميزون الإنسانيون مساعد السلمان عميد كلية الطب بجامعة الملك سعود، وإبراهيم الجدعان رئيس قسم الجلوكوما والاستشاري بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، وسعيد المطوع الاستشاري المسؤول بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، يسخرون علمهم بتطبيقه في عملهم على وجه راق جداً في التعامل، وبناء جسور التعارف المهني بينهم وبين مرضاهم، يحرصون على مواعيدهم، يبذلونها لحاجات هؤلاء المرضى، يقدمون بين أيديهم فرص المساءلة، برحابة الإجابات، لا يتذمرون من شكواهم، ولا يصيخون عن آلامهم، ولا يختبئون وراء أرقام هواتف ترن دون أن يمكنوهم من الرد المباشر لحالاتهم..
هم نماذج لإنسانية العلاقة، في تبادلية الحاجة وسدادها، على مستوى عال من كفاءة تطييب البيئة الطبية، وجعلها مهيأة لبلسمة أنين المرض، ومتطلبات استطبابه.
يحيلون التمني بوجودهم نماذج قدوة إلى واقع..
وكل واحد منهم أهل لأن تبسط الأوراق للكتابة عنه على انفراد، ولا أخال السرد التوثيقي لجهات عملهم غافلاً عمن سيعكف على تدوين الوجه الحضاري لإتقان العمل، وصبغه بنموذجية الإنسانية، في أجمل صورها.. حين يقدر للمنصفين أن يتكلموا, فيصدقون عنهم.
ولا شك أن هناك غيرهم ممن تسعد بهم الإنسانية في المجال ذاته، وفي مجالات أُخر..
عرفناهم، أو لم..
فالذاكرة عامرة.. والإنسانية بهم سعيدة بلا شك.
والمجتمع بهم يطيب، ويستطيب..