كتبت عن برنامج البعثات سابقاً ووصفته ببرنامج يركز على مفهوم الحصول على الشهادات في التخصصات التي يحتاجها سوق العمل والاحتياج يقاس بالشواغر التي لا يشغلها مواطنون، لكنه لم يأت متنوعاً في شموله جميع التخصصات، واخترت مثالاً لتلك التخصصات التربوية لأننا بحاجة إلى إيجاد فكر جديد في التعليم، ونقل فلسفة وتجارب عالمية إلى مدارسنا تسهم في تطعيم الفكر التعليمي لدينا بدلاً من حصر خياراتنا في المخرجات المحلية التي تعاني من ضعف بارز في جوانبها النوعية. بمعنى آخر طالبت بتنويع الأهداف بين سد الاحتياج الكمي وتطوير الأداء النوعي والثقافي.
اليوم أعود لبرنامج البعثات وأرى أهمية شموله التدريب على رأس العمل. لعلني أستمر في استخدام الجانب التربوي نموذجا. لدينا معلمون يحملون شهادات جامعية أو ما هو أعلى من الجامعية، لكن الإشكالية الرئيسية تكمن لديهم في الجانب المهاري والتطبيق العملي وبيئتنا التعليمية ليست بالنضج الكافي في حالات عديدة بتقديم أفكار تطبيقية متطورة ومختلفة عن السائد محلياً. وذلك لعدم توافر التدريب في بيئة عمل متميزة ولفترات كافية تسمح بالتعمق والتمعن والتطبيق للتجربة التي يتعلمها المتدرب.
السؤال هو: كيف أستطيع تطعيم التعليم بتجارب حديثة متنوعة؟ هل يكفي ما يشاهده المعلم في الإعلام أو ما يقرأه أو حتى ما يحضره من دورات غالبيتها محلية أو عربية ونظرية لا تتجاوز الأيام؟
أرى بأن الحل يكمن بتكثيف برامج البعثات التدريبي وأركز على التدريبي المهني وليس الحصول على درجات أكاديمية أو الدراسة النظرية. ما هو المانع من إرسال معلمين لقضاء ما لا يقل عن عام دراسي تطبيقي بمدارس أمريكية أو أوربيه أو يابانية، يضاف له بالتأكيد عام لدراسة اللغة؟ لماذا نصر على أن تكون البعثة للدراسة الأكاديمية فقط؟ لماذا يصر ديوان الخدمة المدنية في حصر التدريب لفترة تقل عن العام الواحد وهي ليست كافية للحصول على اللغة ثم الانخراط بالبرنامج التدريبي؟
هذه شركة أرامكو تبعث أو ترسل منسوبيها للتدريب العملي/ العمل في الشركات الأمريكية لفترة عام أو عامين أو أكثر وهي الشركة المتميزة على المستوى المحلي، وهكذا يحدث في تدريب الأطباء. فلماذا لا تفعل وزارة التربية والتعليم مثلهما؟ لماذا لا تعقد اتفاقيات تسمح لمعلمينا، على سبيل المثال، بقضاء أوقات بغرض التدريب في مدارس الدول المتقدمة؟ لدي قناعات بأننا بحاجة إلى تطوير بيئة العمل في كافة القطاعات ولدي قلق بأن الشهادات وحدها لن تكفي لفعل ذلك. لذلك أرانا بحاجة إلى التدريب الميداني في مؤسسات مرموقة عالمياً حيث يعود المتدرب وقد شاهد ومارس وتعلم آليات عمل جديدة يتقنها ويستطيع استخدامها في بيئة عمله المحلية.
أطالب أن يشمل برنامج البعثات السماح للمبعث بقضاء فترة محددة، عام مثلاً، بعد انتهاء بعثته الدراسية وحصوله على الشهادة الأكاديمية للعمل الفعلي في إحدى مؤسسات البلد الذي درس به في مجال تخصصه، فالمبعث في المجال التربوي يسمح له بالعمل لمدة سنة بإحدى المدارس، والأكاديمي يسمح له بقضاء سنة ما بعد الدكتوراه بجامعته والمهندس يسمح له بالعمل لدى شركة هندسية لمدة سنة، وهكذا في كل مجال. هذه السنة قد تكون أقل كلفة من الدراسة والصبر على المبعث سنة أخرى يطور فيها مهاراته العملية لن يكون خسارة وسيعود بالفائدة الكبرى عليه وعلى المؤسسة التي يعمل بها. هذا الأمر سيسهم في توظيف أعلى للعائد من البعثة؛ حيث تنشد القطاعات استقطاب الكفاءات ذات الخبرة التطبيقية في بيئات عمل مميزة، وهذا ما سيسهم به برنامج البعثات التدريبي.
malkhazim@hotmail.com