ما تمر به وما تشهده المنطقة من أحداث وحراك أشعله الشباب، وشاركت فيه فئات المجتمع الأخرى، وما أفرزه من متغيرات وأوضاع لا تزال غير مستقرة ولا نهائية، تؤكد أن الشعوب مهما وصلت مستويات الرقي الحضاري والتطور المعرفي لديها، وكذلك الشعوب الأخرى المحرومة منها، بحاجة مُلحَّة إلى وجود آلية توحِّد وتوفِّر قنوات تواصل فكري بين أفراد هذه الشعوب وفئاتها وشرائحها الثقافية والفكرية دون إغفال عوامل السن والمراحل العمرية.
هذه الآلية كلما اتسعت وتنوعت قنواتها أمكن لها تقديم منتج متقدم للفهم بين فئات الشعب من خلال تواصل بين العقل والفعل، وتوظيف الفكر لإحداث التغير الإيجابي. هذه الآلية يتفق جميع المفكرين والمصلحين على تسميتها بـ(الحوار)، الذي تتعدد صوره، فإن كان حواراً شاملاً يلم بكل ما يهم الإنسان والمكان الذي يقيم فيه اصطُلح على تسميته بالحوار الوطني، أما إذا كان المستهدف تطوير الاقتصاد كان حواراً اقتصادياً.. وتتعدد التسميات وفق الهدف والغرض المستهدف.
والمملكة العربية السعودية، وبمبادرة وإشراقة فكرية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أول من استنّ نهج الحوار للوصول إلى فكر ومعرفة ما يريده المواطنون، وبخاصة الشباب منهم. وقد نجحت المملكة في الوصول إلى فكر وما يريد الشباب من خلال اللقاءات المتعددة وورش العمل التي عُقدت في مختلف مناطق المملكة؛ ما جنَّب الوطن الكثير من المزالق التي تعانيها دول كثيرة؛ وذلك لمعرفته المسبقة للفكر الشبابي الذي يمثل الفئة الأكثر حضوراً وتمثيلاً للوطن، وذلك بالحوار المعمق الجاد الذي شارك فيه الآلاف من المفكرين والمربين والإعلاميين، الذين قدَّموا أبحاثاً ودراسات ومشاركات علمية حوارية عبَّدت وأقامت جسور التفاعل بين فئات المجتمع.
الآن انتقل الحوار الوطني إلى مرحلة جديدة، تتوافق مع طبيعة المرحلة التي يعيشها العالم، والتي توسعت في انتهاج الوسائط الإلكترونية الافتراضية، وهو ما يطرقه الحوار الوطني من خلال توسيع مجالات الحوار عبر الإنترنت، الذي حتماً سيستهدف قطاعات وفئات أكثر عدداً وأكبر مساحة مما سبق؛ ما يضيف نجاحاً آخر، ويجعل من التجربة السعودية في انتهاج الحوار تجربة رائدة وناجحة تستحق الاهتمام والتقدير.