في يوم الخميس الموافق 17-5-1432هـ قام فريق آثاري من أعضاء الجمعية السعودية للدراسات الأثرية مكوناً من كاتب هذه الأسطر، وأ.د. جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار الإسلامية، ود. عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون أستاذ الجيولوجيا المشارك والباحث النشط في مجال الاستكشافات الميدانية، ود. أحمد السيد الصاوي أستاذ المسكوكات المشارك، والأستاذ عبدالله بن عمار من وزارة البلديات، والأستاذ سعد السعيد من منسوبي وزارة الدفاع والطيران، بزيارة للمواقع الأثرية في واحة يبرين.
تحرك الفريق عند الساعة الخامسة صباحاً من مدينة الرياض، وفي مدينة الخرج تناولوا طعام الإفطار، ثم واصل باتجاه يبرين التي حلّ بها عند الساعة التاسعة صباحاً. وكان اللقاء بالمسئول عن الآثار في الواحة الأستاذ فهد المري عند بوابة يبرين الذي تلقى التوجيه من مكتب الآثار بمحافظة الأحساء بإرشاد الفريق إلى مواطن المواقع الأثرية وهي المهمة التي قام بها.
تُشكل يبرين منخفضاً من الأرض يقع عند التقاء خط العرض 23.15 شمالاً بخط الطول 48.58 شرقاً، ويبلغ طول هذا المنخفض ما يقارب الثلاثين كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب وعرضه عشرين كيلومتراً من الشرق إلى الغرب. ومن الناحية الغربية تحاذي الحوض حافة الصمان الجنوبية بصخورها الصلبة، ومنها تنحدر المياه باتجاه بطن الحوض ولذا سميت بالمحادير. وتحيط بالحوض مرتفعات منخفضة تقل كلما تبتعد عنه، وفي الشرق تتلاشى تدريجياً حتى تختفي بعد ستين كيلومتراً في نفود الجافورة التي تتصل بنفود الربع الخالي.
وقام بزيارة الواحة في العصر الحديث عدد من الرحالة الأجانب في طريقهم من المنطقة الشرقية إلى الرياض، وذكروا شيئاً عن آثارها، وهذا هو الذي حفز البعثة الدانمركية، مع ما استنتجته من الصور الجوية عن مواقع المقابر الركامية في موقع أبرق السمر، على أن تقوم بمسح آثار الواحة عام 1968هـ، ولمدة عشرة أيام، نتج عنه تقرير مختصر نشره جفري بيبي ضمن تقريره (Preliminary Survey in East Arabia 1968) عام 1973م.
وفي عام 1421هـ نشر قطاع الآثار والمتاحف تقريراً عن عمل قام به فريق علمي عام 1414هـ في مواقع واحة يبرين تضمن معلومات قيمة. بدأ فريق الجمعية السعودية للدراسات الأثرية بموقع جبل الجامور الشرقي عند مدخل يبرين وهو عبارة عن مدافن تحيط بجبل وتوجد على قمته المسطحة.
ومن الموقع المذكور توجه الفريق الآثاري إلى موقع مستوطنة تُعرف محلياً باسم المحروقة، والتي تعرضت للتدمير الحديث، ولم يتبق من سورها إلا القليل وربما أساسات مبانيها، وتكثر الكسر الفخارية واللقى الأخرى على سطحها.
ومن هذا الموقع توجه أعضاء الفريق إلى مرتفعات الجامور الغربي حيث يوجد موقع للمقابر الركامية المتناثرة على سطوح التلال الأثرية لمسافات. ثم توجه الفريق الآثاري إلى موقع الصمان وهو موقع مقابر ركامية أعده من أكبر، إن لم يكن أكبر، حقول المقابر الركامية في شبه الجزيرة العربية، حيث تنتشر المقابر على مساحة كبيرة جداً لا يصلها النظر وتأخذ المدافن إشكالاً مختلفة إلا أن أغلبها يظهر بالنمط الرجومي، وتظهر مقابر رجومية يحيط بالواحد منها جدار دائري يختلف قطره من واحد إلى الآخر. كما يظهر نمط ثالث عبارة عن رأس مثلث له ذيل بعرض سبعين إلى المتر وطول يختلف من قبر إلى آخر.
ومن هذا الموقع عدنا إلى يبرين لنستكشف الناحية الجنوبية للواحة، وفي الطريق توقفنا عند موقع الطويرف حيث توجد مقابر تلالية ضخمة يصل طول البعض منها إلى أربعين متراً مبنية بالحجارة ومسقوفة بكتل حجرية يصل طول بعضها إلى ما يقارب الأربعة أمتار، وعرضه إلى الثلاثة أمتار، وسمكه ما بين سبعين سنتمتراً إلى المتر. وتسمى هذه المدافن بالملكية وتُعَدُّ من أكبر أنواع المدافن وحسب معرفتي لم يُعثر على شبيه لها في أي مكان في الجزيرة العربية.
ومن موقع الطويرف توجه الفريق إلى مدافن الضبطية، على بعد ثلاثة عشر كيلومتراً من واحة يبرين، ويقع بقرب جبل أبو مخروق. تنتشر المدافن على مساحة واسعة لم نصل إلى نهايتها. والموقع شبيه بموقع الصمان من حيث أشكال المدافن سوى احتوائه على مدافن ركامية ترابية وبخاصة عند سفوح المرتفعات. ومن الضبطية توجهنا إلى جبل الضبع، حيث يوجد غار جميل جهزنا في ظله وجبة عشائنا المبكرة، والتي بعد تناولها توجهنا إلى موقع أبرق السمر، والذي لم نصله بالرغم من قربه حتى بدأ الظلام بالنزول ولكننا تمكنا من رؤية بعض مقابره التي تتشابه مع مقابر الضبطية والصمان وتركناه الساعة السابعة مساءً.
إن ما وقفنا عليه في يبرين يمثل ثروة أثرية لا تقد بثمن يجب أن يعتني بها وأن يستفاد منها في البحث عن تاريخ مفقود يطلق عليه في كتب التاريخ اسم التاريخ البائد، فهل تكون هي إرم ذات العماد، فوصف الشعراء لها بالغنى الفاحش وضخامة آثارها الباقية تشير إلى ذلك. في ضوء هذا السياق فإننا نتوجه إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار والرئيس الفخري للجمعية السعودية للدراسات الأثرية بأن يوجه بحماية آثار يبرين، لقد شاهدنا بعض المواقع محددة ببتر بيضاء إلا أن كل شيء يمكن أن يمر من بين تلك البتر، علاوة على أن البتر ذاتها مرشد جيد للصوص المواقع الأثرية ومن مسافة بعيدة، كما أن نمطها أصبح، معروفاً فأينما يشاهدها الإنسان يعرف أنها تحيط بموقع أثري. وعليه نرى أن هذه البتر غير ذات جدوى، ولذا نقترح أن تستبدل بحماية فعلية ذات شقين:
الشق الأول: التوجيه بتبني مشروع عمل لدراسة تلك المواقع دراسة متكاملة تبدأ بمسح عام لها، ثم تقسيم كل موقع إلى مواضع عمل، ثم إحصاء ما يحتويه كل موقع من مدافن ليتبين بعد ذلك عدد سكان الواحة والمستوطنات الموغلة في القدم ومواقع تلك المستوطنات في داخل الواحة، لأن الدراسة الميدانية سوف تبين الانتشار المكاني للمستوطنات ذات العلاقة بحقول تلك المدافن. وبعد إتمام ما ذكرت يُشرع بدراسة تصنيفية لجميع المدافن المجودة على المرتفعات المحيط بالواحة وتلك التي توجد داخل الواحة في الأرض المنخفضة. ثم تبدأ أعمال التنقيب في نماذج تمثل مجموعات من أنماط المقابر لدراسة عمارتها وتخطيطها وما قد يُعثر علية من لقى أثرية في داخلها. الشق الثاني: تبني برنامج حراسة لتلك المواقع يتناسب مع عددها وانتشارها وتباعدها، ففي الوقت الحاضر لا يوجد إلا حارساً واحداً ليس لديه سيارة مناسبة تمكنه من التجول على المواقع، فطبيعة الأرض وانتشار المواقع وتباعدها يستلزم وجود سيارات ذات دفع رباعي وأكثر من حارس، وقد يتطلب هذا الأمر استحداث مكتب للآثار في الواحة للحراسة والمشاركة في الأعمال الميدانية المستقبلية.
د. عبد العزيز بن سعود الغزي