يبدو أن وزارة النقل لا تهوى قراءة الصحف وتحديداً المقالات التي تكون موجهةً إليها، فكتبت أنا شخصياً أكثر من مقال أتحدث فيه عن ظاهرة (باصات خط البلدة) وكتب غيري مئات إن لم تكن آلاف المقالات المشابهة وللأسف الشديد لم تلق أي اهتمام يذكر من تلك الوزارة التي أشك أحياناً أنها تعيش معنا في مدينة الرياض.
وليسمحلي معالي وزير النقل هذه المرة أن أنوّع لعله ملّ من حزمة مواضيع نكررها ويفضل شيئاً من التجديد! ولأنه لم يركب تاكسي وأتمنى أن لا تجبره الظروف على استقلال واحد، فإني أنقل له معاناة جمع كبير من المواطنين والمقيمين المجبرين على استعمال سيارة الأجرة في مشاويرهم وتنقلاتهم اليومية، وسائقي التاكسي الذين أجبرتهم هم أيضاً الحياة على هذه المهنة التي لها طابع أكثر شقاء في بلادنا.
فمثلاً يعاني سائق الأجرة السعودي ذلك الكريم المهان غالباً من جملة من المشكلات أهمها عدم ثقة المجتمع به، فيروي لي أبو محمد والحسرة تصرخ مع كلماته - وهو سائق أجرة سابق - معاناته مع بعض السعوديين أو حتى إخواننا العرب والأجانب الذين يحجمون قبل أن يقدمون للركوب معه كونه سعودياً يدفع يومياً ثمن السمعة المشوهة التي صنعها بعض سائقي التاكسي السعوديين، فقرر ذات يأس وقلة حيلة أن يرتدي الزي الباكستاني لعله يساعده على تأمين غذاء وكساء ودواء أحد أبنائه.. وفعلاً جاءت النتائج مرضية جداً حيث ساهم (البنجابي) وتلك اللهجة العربية المكسرة والمشوهة التي يتحدث بها لارتفاع عدد الركاب وبالتالي زيادة دخله اليومي.
في الحقيقة من أهم وأنجع الحلول التي قد تنهي مثل تلك المشكلة هي إيجاد زي موحد لسائقي الأجرة، بدلاً من ذلك المهرجان التراثي العالمي الذي تشارك فيه شركة الأجرة على مدار العام، فبدلاً من أن نرى الملابس المرقعة نفضل أن نرى زياً موحداً لائقاً يليق بخدمة الركاب المواطنين أو المقيمين والسياح ليعطي جمالية قد تغطي عيوب باتت تزداد كل يوم حتى بت أخشى أن نصل إلى مرحلة نقول فيها إن «الشق أكبر من الرقعة»!! المطلب الآخر الذي لا أعلم حقيقة سبب تجاهل وتأخر وزارة النقل لسنه وهو نظام أو طريقة العدّاد التي أجزم أنها ستنهي مهازل كثيرة تحدث كل يوم للركاب والسائقين الذين كثيراً ما يضعون أسعاراً يحددونها على حسب شكل وجنسية الزبون، فإن كان سعودياً فقد ترتفع الأسعار قليلاً عن الراكب الهندي أو الآسيوي، وإن كان سائحاً أجنبياً فذلك يعتبر عند البعض ولا أعمم صيداً ثميناً يكفيه عن استقبال المزيد من الزبائن طيلة اليوم.
وفي الجانب الآخر هناك معاناة وإهانات تحدث لسائقي الأجرة الذين يرجمون بأبشع التهم بالسرقة والجباية والغش ويشكك في ذممهم وضمائرهم كلما أعلنوا عن سعر التوصيلة فتحدث هنا مشادات كلامية تستنزف أعصاب كلا الطرفين الذين أهينوا بسبب هذا النظام الذي عفا عليه الدهر وأصبح هناك جهاز صغير لطيف وصادق اسمه (عدّاد) يحمي حقوق الطرفين ويضمن تقديم خدمة محترمة دون أن تهدر كرامة أحد.
قد يحتج أحد مسؤولي الوزارة بأن (العداد) أحد الاشتراطات الأساسية في كل سيارات الليموزين أو الأجرة، ولكن كلنا يعلم اختلال العلاقة بين السائق والشركة وخصوصاً في شركات الليموزين والتي أفرزت واقعاً لا يتجاوز فيه العداد مجرد قطعة ديكور داخلي في السيارة؛ لأن السائقين باتوا يفاوضون الزبائن باعتبارهم (أصحاب حلال) وليسوا مجرد موظفين في شركات لها نظام تسعيري واضح!
فما بال وزارة النقل تتأمل هذه المعاناة دون أن تكلف نفسها بالتدخل لحفظ ما تبقى من ماء وجه العاملين في هذه المهنة الشريفة والركاب الذين أجبرتهم ظروفهم المادية الصعبة أن يركبوا سيارات (الليموزين) داعين أن يكون من يقلهم «ابن حلال» ويخاف الله فلا يبالغ في أجرته ولا يتبنى مبدأ (حسب السوق بنسوق) فإن زادت أسعار الشعير أو الأرز زاد هو الآخر أجرته وإن شم رائحة مكافأة راتبين دبّل الأسعار!! هذا جزء بسيط من معاناة هذا القطاع المهمل الذي يزداد سوءًا وتردياً ناهيك عن مشكلات ضعف الرقابة التي أدت إلى مصائب كثيرة أحد أهم مخرجاتها انعدام نظافة الشخصية للسائق والمركبة، والتساهل بالالتزام بقواعد السلامة والشروط التي يجب توافرها بسائق المركبة والترويج لكثير من الممنوعات.
أتمنى أن نلمس حلاً جذرياً عاجلاً ينهي هذا المسلسل الدرامي الحزين إلى الأبد ويضمن حقوق السائق والراكب على حد سواء إن غدا لناظره لقريب.
نبض الضمير:
(ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمامِ)