الإيرانيون بائسون في زمن الركض والضجيج والحراك، فوارس لا يعرفون مدارات المكان والفضاء وصليل السيوف وصهيل الخيول، مثقوبون يمتطون صهوة اليأس والقهر والانحدار، لا خيولهم تعلمت
الركض والسبق، ولا لياليهم سنها بريق الصباح، معاقون، مضطهدون، حيارى، دمائهم خضبت أجساد بعض، يعشقون الانحناء، ويرفضون الاستطالة والتطلع والتمدد، مفزوعون بوجع، يفتحون عيونهم باتجاه عربات الجند المجهولة، هضابهم عارية إلا من بعض نبت يابس، أنفاسهم رعب، وليلهم يتكور بذهول الذهول، يطوقهم الأسى بلا اختيار، متعبون بأوسمة الكذب والتخاذل، يتحدقون بلوم ووجل، يفكرون بالخلاص وقشة الإنقاذ، لن يجرؤ على الحراك فهو الذي يوصلهم لقذائف الموت من بنادق الجند الواقفين في كل الزوايا والممرات، يصرخون بالويل وبالفجيعة، وحتى الجميلات البيض هناك يصطبغن بصبغ السواد ومسحة الحزن والانحناء، يحلمون بأناشيد الفرح، وإيقاعات الغيمة الآتية بالمزن، وحياة تليق بالحياة، باحثين عن معراج حلم، ونشوة ندية، لكن الانكسار هو الانكسار، والفجيعة هي الفجيعة، المدن هناك خيم عليها السكون الكبير، لا الناس هناك ناس، ولا الأحياء أحياء، والموبقات العظام موبقات، لا أحد يعترض، كوابيس العقد تنشط، وصفعات الشمس تلسع، والعشب يتسول الندى، وسوط الجفاف قوي، والشتاء يحمل عواصف التشرد والتمرد، والحرية قفص اتهام، الأشجار هناك لا تستر، والورد ليس فيه شذى، والرعد لا يحمل المطر الكثيف، والبرق قاتل، لا راية السلام هي الراية، والبنادق هي البنادق، والشياطين الكبار شياطين، عقارب الساعة هناك ستتوقف، والهدنة ستنتهي، وسيعودون للبكاء المرير، وسيكون مساؤهم الأخير، سيمر بهم الليل مثقلا بالأرق، فمنذ أمد وهم مثقلين بالقلق، سيتناسلون من أمنياتهم الضائعة، لكنهم حتما سيلتقون فوق ماء السراب، يغفون على موائد الموت، وريحهم تشرع في الفرار السريع، ليس لهم ما يريدون، لهم ظلال متعبة، واتجاهات مظلمة، ويتعكزون على عصيان رقيقة، منقوعون بالجدب، حول ضفاف جافة، لا دكه العشب هي الدكة، ولا البستان هو البستان، ولا الحمائم هي الحمائم، ولا ألعابهم المفضلة هي الألعاب، يخبؤون رؤوسهم بالرمل، لتنفجر بعدها عيونهم بالدمع الشحيح، أمنياتهم تاهت بين مطارات الرحيل، يسندون رؤوسهم إلى المقاعد، يغمضون جفونهم، ويتعبهم لهيب الهجير، لهم ظمأ ألهب أجوافهم، فاض الحقد عندهم من الأحداق، واليد على الزناد، والحزام المعبأ بالموت سيلفونه حتما على خواصرهم وسيكون الموت، سيتلاشون في صخب المدينة، سيتوكئون بظهور محنية، مرتعشو السيقان، بعيون مذعورة، سيبكون مثل غيم يهطل، لا الطرقات حينها ستكون هي الرقات، ولا الساحات عندها ستكون هي الساحات، سيكونون مشطورين، مسحوقين الذات، يلثمون أسوار العتبات، سيصرخون في أرجاء الأرض وسيتنادون بألم، وسيحسدون الذبابة كيف تطير، وفقاعة الصابون كيف تصير، وسيصير للإيرانيين هناك ظلال خائفة من شمس الحقيقة، وبهرجة وتزويق ورقص في ظلام الظلام، ولن يكون لهم بياض يشبه البياض.
ramadanalanezi@hotmail.com