قد يعيد تقرير نشره في الرابع من أيار (مايو) «مركز العلاقات الأميركية الصينية» التابع لجمعية آسيا، و»معهد كسنجر للصين والولايات المتحدة»، إثارة الجدل الوطني الذي نشأ آخر مرة في الولايات المتحدة قبل عقــدين من الــزمن: هل يجب أن يبدي الأميركيـــون خــشــــيتهم من الاستثمارات الأجــــنبية المباشرة الضخمة التي توظِّفها دولة كبيرة منافسة اقتصادياً، أم عليهم أن يستقبلوها برحابة صدر؟
وفي آخر ردود فعل حيال هذه المسألة، كانت اليابان محطّ أنظار سياسيين ونقّاد استنكروا تنامي حصة دولة منافسة في الاقتصاد الأميركي. أما الآن، فقد حان دور الصين لتستحوذ على اهتمام الأميركيين، إذ يقدِّر التقرير أن إجمالي استثماراتها المباشرة خارج نطاق أراضيها سيتراوح ما بين 1 تريليون و2 تريليون دولار بحلول العام 2020، لافتاً إلى أن استثمارها في الولايات المتحدة بدأ يتضاعف سنوياً، وإن يكن عن حجم أساسي منخفض جداً.
برهنت الحكومة الصينية مراراً عن نيتها تقديم تنازلات في العلاقات التجارية الدولية فقط عندما تكون المعاملة بالمثل مهدَّدة. إلا أن التقرير ينصح تحديداً بعدم اللجوء إلى المعاملة بالمثل عندما يتعلق الأمر بالأنظمة الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر، رغم إشارته إلى أن الصين باتت «تتّبع نظام مراجعة استثمار محلي يتضمن بشكل صريح معايير على غرار ’الأمن الاقتصادي القومي، وحتى الاستقرار الاجتماعي، بهدف تجميد استثمارات أجنبية».
أما أسباب التذكير بالمخاطر التي قد تبدِّل قوانين اللعبة حول أن الصين سوف «تشوِّه الأسعار العالمية والأسواق»، فهي صفّارة الإنذار ذاتها التي ألقت بظلالها على أحكام وقرارات الشركات الأجنبية والحكومات طوال أكثر من قرنين: «ألا ينذر وصول الصين إلى مكانة المستثمرة المباشرة العالمية بتحوُّلها إلى دولة أكثر ليبرالية في المستقبل؟ هل الشركات الصينية التي ستختبر دورها الفاعل والمساهم القانوني على الصعيد العالمي ستبقى من دون أثر عميق عليها؟
يتغاضى التقرير عن أن الجهود التي بذلتها الصين طوال السنوات العشرين المنصرمة في سبيل توطيد العلاقات الاقتصادية على نطاق دولي كانت عديمة الفائدة لجهة إحراز تقدُّم في اتجاه «دولة صينية أكثر ليبرالية». لا بل أصبحت في السنوات الخمس الفائتة، أكثر قمعاً سياسياً وأقل تحرراً اقتصادياً.
ليس من اقتصاد في العالم، وعلى الأخص الاقتصاد الأميركي المتهتِّك والمُسرِف، قادر على رفض إمكان استقطاب جزء من استثمارات أجنبية مباشرة قادمة من الصين بقيمة ما بين 1 و2 تريليون دولار. ولكن، لا يُعقل أن تنطلق الاقتصاديات دائماً من افتراضات ساذجة مفادها أن مشاركة الصين في الاقتصاد العالمي ستجعلها أكثر استعداداً لمراعاة قوانين التجارة العالمية المتعارف عليها والمقبولة عموماً. فإن تُركت الصين طليقة تسترسل على هواها، سوف تسنّ قوانينها وتنتهكها مراراً وتكراراً.
(*) هو محرِّر مساهم في مجلة «هارفرد بزنس ريفيو»، وكان سابقاً مراسل الاقتصاديات الوطنية في مجلة «تايم»، ومحرِّر قسم الأعمال في عددها الأوروبي، ومحرِّر تنفيذي في مجلة «ايجا ويك».