تبوك، أو كما كانت تُسمَّى قديماً قبل 5000 سنة قبل الميلاد (تابو) أو (تابوا)، مدينة أو تكاد تكون نجمة مضيئة في سماء الشمال، تمثل نحو 5 % من مساحة المملكة، بها من المعالم الطبيعية الشيء الكثير؛ فهي تضم ساحل البحر الأحمر الخالي من التلوث الصناعي والغني بالشُّعب المرجانية؛ فهي لهواة الغوص ومشاهدة الحياة البحرية من الأعماق أجمل مقصد،
ويُحاط بها سلسة جبال الحجاز وهضبة حسمى وصحراء النفود الكبير.
وتتحدث الآثار التاريخية في قلبها؛ كونها موطناً لأمم عديدة, كالعرب البائدة ومن ثم الآراميون والأنباط.. وليس ذلك فقط بل حول جهاتها الأربع آثار تأبى إلا أن تكون تبوك مدينة أثرية يُسمع بها صدى التاريخ؛ فمن جهة الشمال تقع مدينة تيماء، ومن غربها توجد مملكة مدين التي دُفن في ترابها أصحاب الأيكة، ومن الجنوب مدائن صالح وديار ثمود (منطقة الحجر)؛ فكانت مقصداً للرحالة «أغسطس والين»، وهو أول مَنْ وصل إلى أرضها للاكتشاف والكتابة عن مخزونها الأثري الثري.
و شهدت تبوك أول تحالف صليبي ضد الإسلام بين نصارى الروم ونصارى العرب. وفي السنة التاسعة من الهجرة غزا الرسول محمد عليه الصلاة والسلام تبوك لصد الروم في غزوته الشهيرة التي تحمل اسم الأرض ذاته (غزوة تبوك).
ودعا الرسول الكريم ربَّه أن يسقي تبوك من المياه بفيض؛ فعندما أخذ الرسول غرفة ماء من إحدى العيون، وغسل بها يديه ووجهه، ثم أعادها فيها، سالت ونضحت بماءٍ غزير، وارتوى الناس؛ فلتفَّت عليه الصلاة والسلام إلى معاذ بن جبل، وقال: «يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما هنا قد مُلِئ جناناً» رواه مسلم، وصدق الرسول الكريم؛ فنشهد المنطقة وقد اشتهرت بالخضرة والطبيعة مما لا يختلف عليه اثنان؛ فهي أرض تباركت بوطأة قدم نبي الأمة حين صلى في مسجدها (مسجد التوبة) قبل غزوته، وهو مسجد قائم إلى وقتنا هذا.
وقد كانت الزهرة (تبوك) عاصمة لدول وإمبراطوريات عدة، وكانت مصيفاً لقياصرة الروم؛ ففي صيفها وشتائها تقرأ آيات الجمال، وكان لها نصيب في احتلال بعض من المراكز المتقدمة؛ فاحتلت المرتبة الخامسة عالمياً بين شركات العالم لصناعة الأدوية من خلال شركتها «شركة تبوك للأدوية»، وتحتل قاعدة الملك فيصل الجوية مركز ثاني أكبر قاعدة جوية في العالم.
أسميتها «زهرة المملكة»، ولستُ على خطأ؛ فهي منذ 18 عاماً تُنتج الأزهار إلى أن زيّنت الأزهار التبوكية دول الخليج ولبنان وإنجلترا وألمانيا وهولندا. أنتجت فتميزت فاستحقت أن تكون في مصاف الدول المصدِّرة للورود عالمياً.
وأخيراً، وليس آخرِاً، أدرك جيداً أن جميع المعلومات السابقة كانت غائبة وخفّية عن الكثير، وأنا شخصياً وقعت عليها بالمصادفة البحتة؛ فبحجم مسرّتي بإيجاد زهرة في وسط صحرائنا كان حجم حزني على تهميشها وعدم تسليط الضوء على هذه المنطقة وإبخاسها حقها من الزيارات لقلة المعلومات عنها.. لماذا لم ندرك وجود كل هذا الثراء المتنوع على خريطتنا؟!
فعلى مَنْ يا تُرى نُلقي اللوم؟! على أمانة منطقة تبوك أم على الهيئة العامة للسياحة والآثار أم على نقص بحثنا في جمال مناطقنا؟!!
سمو الأمير فهد بن سلطان.. توليتَ وعُهدت إليك إمبراطوريات ومدن ومماليك عمرها 5000 عام قبل الميلاد في مدينة واحدة، اسمها تبوك، قلبها موطن الأزهار، وأنت من يسقي أزهارها لـ20 عاماً، فكل تاريخ تبوك والحضارات السابقة وجمالها يبعث من هذا المقام رسالة لسموكم بأن يتم تسليط الضوء أكثر على هذه الجنة من خلال تكاتف وتعاون الجهات المعنيّة, وأقترح على سموكم تنظيم مهرجانات سياحية على مستوى عالمي تُقدِّم ما هو مميز بتميز هذه المنطقة، وتوجيه دعوات لمختلف البلدان العالمية وتنظيم جولات سياحية للتعرف على ما لدينا.. ولا يخفي عليك أن ذلك سوف يعود بالفائدة الكبيرة على المنطقة من خلال عدسات كاميراتهم وأقلامهم وكتاباتهم ورواياتهم عنها؛ فهي منطقة لها وزنها الأثري الثقيل؛ فهي بمنزلة روما لإيطاليا وأثينا لليونان وبعلبك للبنان.. فبعناية أكثر واهتمام مركّز وجهود تُبذل بشكل متفرد ستكون - وكلي ثقة - مقصداً ومزاراً عالمياً يدعم السياحة السعودية داخلياً وخارجياً.