عندما تكون المعرفة خيارا إستراتيجيا لتحقيق التنمية المستدامة، فحري بالنتائج أن تأتي وفق التطلعات. عادة ما يرتبط نمو الاقتصاد، وتطوره، وازدهار الأمم، بالبحوث العلمية، والابتكارات، والأفكار الخلاقة. المعرفة أساس التنمية؛ ولا يمكن للدول والمجتمعات المضي قدما في التطور والبناء بمعزل عن روافد المعرفة التي يفترض أن تكون الجامعات المتخصصة مصدرا رئيسا لها. ركز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تحقيق أسس التنمية المستدامة التي اهتمت ببناء المكان، وتطوير المناطق، و المدن وفق خطط وأهداف محددة؛ إلا أن ذلك التركيز لم يبعده عن الشق الأهم في مسار التنمية، المرتبط بالمعرفة والعلوم؛ التوسع في بناء الجامعات، المعاهد، ومدن المعرفة، إضافة إلى مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي جاء متوافقا مع احتياجات مرحلة التطوير والبناء التي تعتمد في مدخلاتها على العلوم والتقنية.
جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، جاءت لتدعم المنظومة التعليمية في المملكة، ولتفتح أفاق المعرفة للطالبات، ولتضيف لبنة من لبنات الخير في مشروع الملك عبدالله التنموي، الذي وازن فيه بين تنمية الإنسان والمكان، وحقق العدالة بين بناته، و أبنائه الطامحين في مواصلة تعليمهم الأكاديمي، بصروح تعليمية عالمية، توفر لهم المعرفة والعلوم وسط محيطهم الاجتماعي.
مدينة جامعية متكاملة، كلفت الدولة أكثر من عشرين مليار ريال؛ قد يتفاجأ البعض من ضخامة المبلغ المُنفق، إلا أن الاستثمار في التعليم يتجاوز في مضامينه حسابات التكلفة، إلى تحقيق الأهداف السامية في بناء الإنسان، وإرساء أسس التنمية المستدامة في مجتمع طالما اشتكى من مخرجات التعليم غير المتوافقة مع متطلبات سوق العمل. المستشفى الجامعي الضخم يحقق إضافة نوعية للقطاع الصحي في المملكة، ويساعد في استيعاب الأعداد المتنامية من المرضى الباحثين عن المستشفيات الجامعية المتخصصة.
الاستثمار في بناء الإنسان هو الخيار الأمثل لمواجهة التحديات، وتحقيق التطلعات في عالم تحكمه العلوم والتقنية وتسيطر عليه الاختراعات؛ وتتجاذبه القوى الاقتصادية التي اعتمدت في بناء قوتها على المعرفة والابتكارات الخلاقة. بلوغ العالمية لا يمكن أن يتم إلا من خلال التسلح بالمعرفة، والتوسع في بناء الفكر وإرساء قواعد التنمية البشرية الحديثة؛ وهو الحلم الذي يطمح في تحقيقه الجميع.
بافتتاح المدينة الجامعية الحاضنة لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حققت المملكة نقلة نوعية في قطاع التعليم العالي، وتوسعت في بناء المدن الجامعية الضخمة التي تحاكي في كفاءتها الجامعات الدولية العريقة. لم تعد الدراسة الأكاديمية تدار بالشكل التقليدي بل أصبحت أقرب إلى التحصيل العلمي الحديث المتبع في أرقى الجامعات العالمية، وهو ما يحقق فلسفة الاستثمار الأمثل في قطاعات التعليم.
الاستثمار في المعرفة قد لا تُرى نتائجه في القريب العاجل، غير أنه يصنف ضمن الاستثمارات بعيدة المدى المُحققة للعوائد الضخمة، والداعمة للاقتصاد الوطني. مدينة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الجامعية هي جزء من الاستثمار بعيد المدى الذي جمع فيه خادم الحرمين الشريفين بين تنمية الإنسان والمكان، وحقق من خلاله حلمه التعليمي الثاني بعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
f.albuainain@hotmail.com