يقولون في الأساطير إن المستحيلات الثلاثة في الدنيا هي الغول والعنقاء والخل الوفي وأنا أضيف هنا أن السعادة هي الضلع الرابع في عالم المستحيلات, الكل يخطب ود هذه المفردة وتلك النتيجة والجميع على كافة مشاربهم وأعمارهم وأجناسهم يهرولون للوصول لتلك السعادة, وفي تقديراتي المتواضعة أنه لا يستثنى أحدا في هذه المعمورة صغيراً كان أم كبيراً ذكرا كان أم أنثى عالماً كان أم أمياً وزيراً كان أم فقيراً من البحث عن السعادة فالجميع يريد في النهاية أن يكون سعيداً, الإشكالية هنا أيها السادة أن الجميع يتفقوا على البحث عن السعادة وبذات القدر فإن الجميع يختلفون في الوصول إلى ذلك المبتغى, فلكل طرائقه وفلسفته للوصول لتلك الغاية, ما يحزنني كثيراً (أن كل من لاقيت يشكو دهره, ليت شعري هذه الدنيا لمن!) كما قال الشاعر, فلتعلم أيها القارئ الحبيب إنني هنا سأتكلم بإيجاز عن السعادة ولن أبحر كثيراً فيها وأتمنى من خلال مقالاتي الثلاث- أن أكون أعطيت هذه الكلمة الهلامية التي لم ينعم بها أحد إلا ما رحم ربي- حقها من الإيضاح وإن كان ذلك بإيضاءات تعطي القارئ التصور العام لهذا المبتغى, ذلك لأن السراب المسمى بالسعادة ضنين على طالبه ويحتاج إلى كثير من الحكمة والخبرة والتجربة ليصل إلى جزء من تلك الغاية, دعني أيها القارئ أدخل أنا وأنت في هذا الخضم حتى نعرف ما هي السعادة, يقول علماء الاجتماع إن السعادة (هي راحة في القلب وانشراح في الصدر وابتهاج في النفس) فإذا تحققت تلك المعطيات فإن النفس البشرية تكون سعيدة، أي أن تكون خالي البال منشرح الصدر ومقبل على الحياة بنفس راضية, ويقول علماء اللغة إن السعادة هي مشتقة من الفعل- سعد- أي فرح واستبشر والسعادة هي اليُمن وهي نقيض النحس والشقاوة, ويشتق من الجذر اللغوي «سعد» ثلاثة مفاهيم, الساعد هو الذراع, ساعد الإنسان ذراعاه وساعد الطير جناحاه وساعد القبيلة رئيسها, والسعدات ويدل على نبات ذي شوك رطب, والسعد هو الرائحة الطيبة, وتمعناً في الدلالات المحمولة لغوياً, فإنه يستشف اقتران السعادة بالإرضاء والارتواء والإشباع فالذراع يشبع صاحبه، والنهر يروي الحقول, والسعد يشبع النفس برائحة عطرة)، لكن كيف نحقق ذلك هل هو بالمال أم بالجاه أم بالنفوذ أم بالسلطة أم بالزواج, دعونا ننظر إلى استفتاء اجري على عدد كبير من النساء والرجال في دول مختلفة فجاءت النتائج على النحو التالي: والسؤال كان ماذا تعنيهم السعادة؟ 38% قالوا: السعادة تعني الحب، 28% قالوا: إن السعادة هي الرضاء, 7% قالوا: إن السعادة في الزواج، 5% قالوا: إن السعادة في المال,3% قالوا: إن السعادة في الأطفال, 2% قالوا: إن السعادة في السفر, ويقول أفلاطون (إن الإنسان يخسر سعادته في حالتين, عندما يكون ما تملكه أقل مما تحتاج إليه وهذا يورث الفقر الذي يضعف الجسم, أو يكون ما تملكه أكثر مما تحتاج إليه وهذا يورث الغناء والترف ويكسب الرخاوة) أي أن التوازن في جميع الأحوال هو مطلب النفس البشرية، وفي الحديث عن رسول الله ( اللهم قصداً في الغناء وقصداً في الفقر) أو كما جاء عنه عليه أفضل الصلاة وازكي التسليم, إذ يتضح جلياً أن السعادة ليست بالمحسوسات فهي ليست بالمال ولا الجاه ولا المنصب فكثيراً من أصحاب الأموال والجاه والنفوذ هم من غير السعداء بل أن الكثير منهم ينهي حياته بطريقة مأساوية, إذاً نثير هنا سؤال كبير بحجم هذه الإشكالية وهو كيف نسعد؟!
يقول علماء الاجتماع والفلسفة إذا أردت أن تسعد فعليك بإسعاد الآخرين قف معهم, ساعدهم, ارسم البسمة عليهم, أقضي حوائجهم فإن السعادة لها سحر عجيب في انعكاس أشعة البهجة الصادرة من الآخرين كما أن كلمات الامتنان الصامتة الصادرة من أعينهم لها الأثر الإيجابي العظيم, ويقول أبي ذر رضي الله عنه أوصاني خليلي عليه الصلاة والسلام بسبع: (أمرني بحب المساكين والدنو منهم, وأمرني أن انظر إلى من هو دوني ولا انظر إلى من هو فوقي, وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت, وأمرني أن لا اسأل أحداً شيئاً, وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا, وأمرني أن لا أخاف في الله لومه لائم, وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن كنز تحت العرش.
ويقول سفيان الثوري رحمه الله ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث أخ ثقة في الله اكتسبت من صحبته خيراً إن رآني زائغاً قيمني, وإن رآني مستقيماً رغبني، ورزق واسع حلال ليست لله عليَ فيه تبعة ولا لمخلوق علي فيه مِنه, وصلاةٌ في جماعة اكفي سهوها وأرزق أجرها. وللمقال بقيه وسأتكلم في المقال القادم بحول الله عن فلسفة السعادة وأثرها على تطوير الفرد ونجاح المجتمعات.
Kmkfax2197005@hotmail.com