تشكِل الدكتورة الأديبة والإنسانة الأريبة فوزية أبو خالد في خريطة حياتي جزيرة حالمة من العاطفة المتدفقة. كما تصوغ في ذات الخريطة محيطات الفكر الواسع والأدب الرصين. فقد كنت إحدى تلميذاتها في قسم الاجتماع في جامعة الملك سعود بهندامي البسيط وشعري الأسود المسترسل الذي أربطه تارة، وتارات أحيله ذيل حصان جموح، بينما كانت أستاذة مادة المجتمع العربي السعودي تتميز بلبسها الأنيق، وشعرها المصفف، وحركتها الرشيقة، وأسلوبها العذب الذي أسرني، ولامس شغاف قلبي ودهاليز فكري؛ فطرت بها إعجابا! وكنت أندس في محاضراتها بين طالبات المواد التي تدرسها وليست ضمن مقرراتي الإجبارية أو الاختيارية، حتى عمدت لتسجيل إحدى موادها المقررة للمستوى الرابع وأنا لازلت في المستوى الثاني؛ رغبة مني بأن أكون عندها ومعها. حيث كانت عذبة اللفظ زاخرة المعنى. وما كنت لدينا وهي تسترسل بحديث شيق عن تحولات المجتمع السعودي وما يعتريه من هزات وتقلبات، وأفكار ورؤى، فكانت - ولا زالت - تؤمن بقضية تنوير العقل وتربية النشء، وتطالبنا دوما بالارتقاء بأنفسنا وعدم السماح لأحد بمصادرة فكرنا بما لا يليق بذواتنا وبالإنسان الحر الكريم، كما كانت تحمل هم الوطن والمواطن، والمرأة والطفل، ويقلقها تهميش الإنسان. وتطالب دوما بالحرية المرتبطة بالكرامة، وتدعو للعدالة والمساواة. وكانت نفوسنا تشرئب بوجل نحو مستقبل غامض، ونحن نقاوم الدروشة والتبعية التي أفقدت البعض شخصيته وكيانه !
وبدأ ما تحمله من فكر ورغبة بالتغيير آنذاك يتسرب إلى وجداني وعقلي حتى ترسخت الثقة في نفسي وانطلقتُ في دروب الأدب والثقافة. ولم أكن أتوقع قط أن أكون لها زميلة حرف يوما، وألتقي بها لتثني بلطفها على منشود تلميذتها شدّاً لأزري وتشجيعا لي، برغم أني كنت - ولا زلت - أرى نفسي في سنة أولى حرف!
قرأت د. فوزية فكرا وأدبا فوجدت تلك الشخصية التي صقلها الزمن قبل العلم والدراسة والبحث. فكانت متميزة وغير نمطية أو تقليدية بما تتسم به من ثراء في أبعاد شخصيتها وقلبها الحنون، فضلا عما تكتنزه تلك الشخصية من رهافة حس وبلاغة حرف، تحكمها أنفة وعزة نفس وشجاعة في خوض معاركها مع مخالفيها قلَّ أن توجد في سيدة ! فحوربتْ كثيرا، وكابدتْ كثيرا، وأحمد الله أن مد بعمرها لكي ترى ما كانت تطالب به ويعده البعض حراما وخروجا عن التقاليد؛ تشاهده واقعا معاشا؛ لتؤكد لنا الحبيبة فوزية أنها سبقت عصرها كثيرا، وعانت من جراء ذلك كثيرا وفي النهاية نالت النصر والتأييد والتقدير كثيراً، كثيرا.
وحين أكتب لحبيبتي وأستاذتي فوزية وهي تقاوم المرض الشرير عبر معركة فردية شرسة وغير متكافئة إلا بالإيمان بالله وحده وبإرادة حديدية كإرادة فوزية؛ فإن لدي إيمانا عميقا بأنها ستواجهه بشدة، وستدحره بقوة وتنتصر عليه كما عودتنا بمواجهتها مصاعب عظيمة وانتصارها على مآسٍ وعقبات كؤود.
وغدا فوزية، ستعودين لبلدك ومنزلك الدافئ بأحضانك، المفعم بأريج أنفاسك، وسط تهليل أبنائك (طفول وغسان) فرحا بعودتك.
وسنلتقي إن شاء الله في الجزيرة التي جمعتنا، وستعود رسائلك الحالمة توقظ في نفسي التفاؤل والأمل المنشود.. فقد اشتقنا لك كثيرا، فلا تطيلي الغياب!
rogaia143@hotmail.comwww.rogaia.net