أصبحت حالة الاقتصاد الأمريكي، ومن بعدها الاقتصاد العالمي، مثيرة للجدل، هل هو في حالة نمو فعلاً؟ وهل هذا النمو وصل إلى حد الانتعاش؟ وكيف يحدث النمو ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة؟ وإذا صدقت مقولة إن الاقتصاد الأمريكي ينمو، ولكنه لم ينتعش، فما هو تأثير ذلك على مستقبله في 2011-2012؟ وهل ضعف معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي يمكن بالفعل أن يكون له دور في التغير في توجهات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط؟ بل هل فعلاً اهتمام الولايات المتحدة بشدة بخروجها من حالة الركود كفيل بانخراطها في سياسات مغايرة تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ وهل أساليب الانتعاش القديمة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية السابقة من خوض أو تفجير حروب جديدة يمكن أن تتكرر الآن؟ إن أسئلة عديدة تدور في رحايا الحالة الاقتصادية للولايات المتحدة الآن.
بداية، لا فرق بين السياسة والاقتصاد؛ فالاقتصاد أصبح يقود السياسة بشكل غير محسوس، والاقتصاد الأمريكي إحدى وسائل انتعاشه المبيعات العسكرية التي تزداد بسهولة عند حدوث توترات في مناطق حلفاء الولايات المتحدة. ومن ثم فإن فرضية أن الولايات المتحدة يمكن أن تثير توترات أو تسمح بها في مثل هذه الفترة التي يمر فيها اقتصادها بركود (يحتمل أن يزداد) هي فرضية مقبولة، ويمكن أن تحدث.. وبالتالي فإن حلفاء الولايات المتحدة يجب أن يأخذوا في اعتبارهم ذلك الأمر؛ فكل تحالف يمكن أن يتبعثر أمام الحالة الاقتصادية التي يمكن أن تكون بوابة الناخب لتفضيل الإدارة الأمريكية هذه أو تلك.. وبالطبع فإن الانتخابات تُعتبر أقوى من أي تحالف.
أما بالنسبة لنمو أو عدم نمو الاقتصاد الأمريكي.. فقد أظهرت نتائج أحدث استطلاعات الرأي التي أعلنتها وكالة رويترز في نهاية إبريل الماضي أن أكثر من نصف الأمريكيين يعتقدون أن اقتصاد بلادهم يمر بحالة ركود أو كساد بالرغم من البيانات الرسمية التي تظهر وجود انتعاش معتدل. وتفصيلاً فإن 27 % قالوا إن الاقتصاد ينمو.. وإن 29 % أشاروا إلى أن الاقتصاد في حالة كساد، في حين أن 26 % قالوا إنه يعاني الركود، وذكر 16 % منهم أنه يتباطأ.. ويجب أن نكون على قناعة بأن استطلاعات الرأي في هذه الحالات تكون أصدق من البيانات الرسمية المنشورة، التي غالباً ما تستهدف تهدئة الرأي العام أكثر منها ذكر حقائق.
أي أن الأمريكيين منقسمون إلى قسمين: قسم يرى أن الاقتصاد الأمريكي ينمو ببطء، في حين أن القسم الثاني يرى أنه يعاني الركود، ويمكن أن نجمع الرأيين في أن الاقتصاد بالفعل تحسَّن عن أوضاعه في 2007 - 2009، إلا أن هذا التحسن بدأ خلال الفترة الأخيرة يسير ببطء شديد، حتى أصبح أقرب إلى الركود.. أو بشكل آخر هناك نمو، لكنه نمو غير محسوس.
ويعتبر المواطن ترمومتر التحسن الاقتصادي، وهو يستشعر بأن الوضع لم يعد كما كان سابقاً بالمجتمع الأمريكي؛ فلا البطالة انتهت ولا المبيعات (خاصة مبيعات المساكن) نشطت.. ويعتبر بعض الأمريكيين أن إعلان صفقة القبض على ابن لادن في هذا الوقت بالذات بديل لعدم النجاح الكبير للإدارة الأمريكية في الجانب الاقتصادي، أو لنقل فشلهم في الوفاء بوعود الإصلاح والانتعاش المطلوبة.
وينبغي أن نفرِّق بين النمو والازدهار في الحالة الأمريكية.. فالإدارة الأمريكية الحالية غير مطالبة بالنمو؛ لأن هذا النمو يحدص عندما يكون الاقتصاد يمر بوضع جيد، ومطلوب تحسينه، ولكن بما أن الاقتصاد الأمريكي عند تولي الإدارة الأمريكية الجديدة كان في أسوأ أوضاعه فإن المطلوب أو المُرْضي هو الوصول إلى حالة من النمو المتسارع أو النمو القوي الذي يعادل الازدهار القادر على نقل الاقتصاد الأمريكي من حالة الركود إلى حالة الازدهار، بمعنى أننا لن نقول إن الاقتصاد الأمريكي يتحسن إلا عندما يصل إلى معدلاته السابقة (للتوظف والمبيعات مثلاً) خلال فترة ما قبل 2007م.
وهناك معركة بين الجمهوريين والديمقراطيين على طريقة مواجهة هذا التباطؤ في النمو. فالجمهوريون يتمسكون بخطة تقشف جديدة، في حين أن الديمقراطيين يسعون إلى زيادة سقف الائتمان.. أي أن مساعي الإدارة الأمريكية تتجه إلى إيجاد مصادر للاقتراض، ولكن إذا لم تجد مصادر للاقتراض فمن أين يمكن أن تمول التوسع المالي؟ هذه النقطة الأهم.. هل المبيعات العسكرية طريق مناسب؟ ولأي أطراف يمكن أن ترفع مبيعاتها العسكرية؟.. التوقعات كافة تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط هي خير منطقة يمكن أن تلبي مطالب التوسع للاقتصاد الأمريكي.
مستشار اقتصادي
Dr.hasanamin@yahoo.com