الشاعر أحمد الفهيد أنموذج للشاعر المثقف الذي يفعّل رسالة الشاعر تجاه مجتمعه كما يجب وعلى كل الأوجه، تنوّع جهده المهني وكان لمجال الشعر الحيّز الأكبر منذ بداياته، تحدث لـ»مدارات شعبية» عن أكثر من جانب، سلّط الضوء عليه وبطريقته الخاصة..
أحمد الفهيد مزيج من (فكر وشعر وصحافة)... أي هذه الجوانب يُقدمك للمتلقي غالباً؟
- أنا مخلص لـ «لقمة عيشي»... أما الشعر فليس أكثر من «قلب يتعرى أمام الناس».
وأجمل ما في الصحافة أنها لا تتوقف عن تعليم أبنائها... تلقنهم الدرس تلو الدرس، تلو الدرس، ومن يرفض التعلم أو يتكاسل عنه ستتبرأ منه وستركله خارج بيتها، طال أجله أم قصر. لذا أنا منحاز تماماً لـ «الصحافة»... فهي من صنعتني، وهي من تطعمني... أما «الشعر» فمكانه الروح.
ماذا عن قلمك الصحافي... ليّن أم قاسٍ؟!
- أحياناً أكون حاداً وقاسياً و»خشناً» أكثر مما ينبغي.. وبعض مقالاتي «لا أندم على فكرتها»، وإنما «أندم على بعض مفرداتها»، ولو كتبتها مرة أخرى كنت سأفعل ذلك بالقسوة نفسها ولكن بلهجة أقل عنفاً.
راهن محمد الكثيري، رحمه الله، على صوت مختلف جداً عن السائد هو - أنت - ماذا تبقى من تلك الحقبة في مخيلتك (حقبة فروسية وشعر) بعد كل هذا النجاح الذي حققته؟
- بقي كل شيء.. وكيف لي أن أغادر صغيرة أو كبيرة من تلك الحقبة وأنا النابت في تربتها، والمترع بمائها العذب؟!.. و»فروسية وشعر» كانت نقطة الانطلاق، وفيها نبت ريشي وأخذت أجنحتي في النمو، وتعلمت الطيران.
أتذكّر تركي المريخي «أوفى الأصدقاء» وأرحبهم «قلباً»... والعريق محمد الكثيري، الذي مد يده وفتح قلبه وغرس فسيلة من نور داخل قلبي قبل أن يرحل إلى «دار المقر».
أتذكّر صالح الحمادي.. المعلم والصديق الأنيق «الرحيق»، الذي علمني أن «الأخلاق هي أم المهنة وأبوها وكل قبيلتها»، وأن موقف الصحافي يجب ألا يكون بمعزل عن «مرجلته».
يردد الشاعر الكبير راشد بن جعيثن أنك (جنتلمان الساحة الشعبية) مما أثار حفيظة المنافسين، هل هذا أمر يحسب لدقة راشد.. على رغم اختلاف مدرستكما في الصحافة والشعر؟
- شهادة شاعر وصحافي خبير وقدير مثل راشد بن جعيثن في رجل يتهجى الدرب مثلي.. أقل ما تفعله أنها تصب النهر كاملاً في قارورة!
واختلاف المدرستين، لا يعني القطيعة بينهما، وفي حالة راشد فإن له مني «تبجيل» المعلم، حتى وإن لم أحضر درساً من دروسه.
دبلوماسيتك وأدبك هل وقفت مانعاً - كما يردد البعض - دون تفعيلك لحسك الصحافي في اقتحام إشكاليات في الساحة لطالما كانت ماثلة لأعين مداد قلمك؟
- غالباً تهزمني «المجاملة»... لا الدبلوماسية!
بكل صراحة يردد الكثيرون بأن ميلك الشخصي لبعض الأسماء دعاك لدعمها وتقديمها بعيداً من (المنظور النقدي) الذي لم يرجح كفة هذه الأسماء، لهذا تبخر حضورها الممزوج بعطر نقائك البهي؟
- أنا لم أقدم الشعراء... إنما حاولت تقديم الشعر.
وفهد المساعد... ماذا عنه، ألم تمنحه الأضواء؟!.. حتى أنك لقبته بـ «توأم الماء»!
- لم أكن سوى يد امتدت للمساعدة... لكن فهد هو من ذهب بنفسه إلى هذا الضوء، فالروح الطيبة تعرف طريقها إلى هناك، ولا تحتاج إلى من يدلها عليه.
ولو أن روحه كانت عالقة في ظلام دامس... ما كان ليصل إلى الناس، حتى لو صنعنا له جسراً من النور. فهد المساعد... أجمل وأكمل من أن يقدمه أحد، ومع ذلك أنا سعيد بأن كنت سبباً لينتبه الناس إلى «ضوئه».
أما تسميته بـ «توأم الماء» فمردها إلى أنه أقدر الناس على قتل «العطش».
«الواسطات» في اختيار لجان مسابقات الشعر يوثقها عدم وجودك فيها، على رغم أن هذا حق مستحق لك لقاء ما قدمته بمهنية عالية وحس صحافي مميز طيلة مشوارك، إضافة إلى شاعريتك المميزة... ما تعليقك؟
- ليس مهماً أن تجلس على كراسي هذه اللجان، المهم أن تتخذ من هذه الكراسي منبراً لقول الحق، ونبذ العنصرية، واحترام الشعر والناس، وألا تباري بعض المتسولين من شعراء بعض هذه المسابقات على لقمة عيشهم!
هل (تسليع) الشعر من خلال بيعه من الشعراء للمتشاعرين - قضية شعر أم قضية أشخاص - يباركها بصمته من يتحفظ عن معالجاتها كقضية مؤسفة في الساحة الشعبية، بل ومكشوفة في القصائد المغناة؟
- هي قضية «نقص» أخلاق... وقلة «مروءة»، وعلامة على فقر ثقافي «مهين».
لماذا تفشت كتابة البعض للمتشاعرات، حتى أضر ذلك بسمعة الشاعرات الحقيقيات بعد أن اختلط الحابل بالنابل، والصحافة الشعبية كان الأمر لا يعنيها لسنوات طويلة ماضية مع الأسف؟
- يبدو لي - وأرجو أن أكون على حق - أن هذه الظاهرة «انقرضت» أو هي في طريقها إلى ذلك.
أما الصحافة، فليست مسؤولة عن تربية الناس، هي مسؤولة فقط عن تربية محرريها «مهنياً».
ما رأيك في الشعراء الذين يتبادلون قصائد الهجاء، مستخدمين ألفاظاً خارجة عن الذوق العام؟!
- بالنسبة لي هم ليسوا شعراء.. وإنما مجرد «ناس» تشتم «ناس» بطريقة «موزونة»!
والشعراء الذين يغطون على عيوب قصائدهم، بالإلقاء.. كيف تنظر لهم؟
- هذا النوع من الشعراء «المنبريين».. يسقطون من الذاكرة سريعاً (أسرع من عطسة).. ولن يقول لهم أحد حينها «يرحمكم الله».
لماذا أنت في قصائدك ومقالاتك تكون مرة مع المرأة.. وأخرى ضدها؟!
- أولاً: القصائد لا تطرح رأياً.. وإنما تفصح عن مشاعر أو تحاول الترويج لفكرة «نفسية».
ثانياً: لم يسبق لي أن كتبت رأيين متناقضين في المرأة (على الأقل لا أتذكر ذلك)
ثالثاً: أنا في صف المرأة دائماً.. وزوجتي «تشهد على ذلك»!
منذ ما يزيد على السنوات الخمس وأنت متوقف عن كتابة الشعر.. وبالتالي فأنت متوقف عن النشر، ألا يقلل ذلك من وهجك؟
- أنا لا أكتب نصاً شعرياً لـ «يُنشر»... وإنما أكتب نصاً شعرياً لـ «ينتشر»، والفرق بين الحالتين كبير جداً.
ما رأيك في الإعلام الإلكتروني، هل هو منافس شرس للصحافة الورقية؟
- الإعلام الإلكتروني يركض بسرعة «أرنب»... أما الصحافة الورقية فتركض بخفة «غزال»، وبندقية الصياد مصوبة نحو الاثنين معاً.
متى تنقرض الصحافة الورقية؟
- كنت أرغب في القول: «إذا حجّت البقر على قرونها»... لكن الآن أصبح كل شيء جائزاً لذا سأقول: «لا يزال الوقت مبكراً، مبكراً جداً».
الصحافة الورقية لا تزال حية ترزق.. والصحافة الإلكترونية أصبحت «حية» و»سترزق».
هل تقبل أن توضع على طاولة النقد، أم يزعجك ذلك؟
- بما أنني أبادر في رمي الآخرين بنبال النقد.. فإنني لا أجد «غضاضة» في تلقي النبال، منها ما أتصدى له بدرع فولاذي، ومنها ما يصيبني فأنزعه وأداوي جرحه.
هل أنت من مؤيدي المثل القائل «أعذب الشعر أكذبه»؟
- بالنسبة لي فإن أعذب الشعر «أعذبه».. سواء كان صدقاً أم كذباً.
كتبت قبل أعوام:
السنين تجر أذيال السنين
وفي العقل والقلب تبقى الذكريات
وكل ما ها العمر يمشي خطوتين
أكتشف إني أحبك يا «مرات».
فما الذي تعنيه لك «مرات» الآن، وقد غبت عنها 13 عاماً؟.. وماذا تبقى من ذكرياتها في ذاكرتك؟
- لمرات في قلبي «حبُ» لا يفنى... وهي إن شئتِ «حبيبتي من المهد إلى اللحد».
«مرات» هي مسقط رأسي... وفيها تعلمت أن الحياة لا تموت... وأن الناس لا تحفر القبور لبعضها البعض، وخرجت منها وأنا نظيف تماماً، تاركاً وراء ظهري 27 عاماً من الحياة «الطيبة».
وبقي في ذاكرتي منها... رصيف بيتنا الكائن على «شارع الحب»، وغرفة نومي، والشجرة التي كانت تستظل سيارتي بظلها، ونادي «كميت»، وملعب فريق النجوم، و»مقصف» المدرسة الثانوية!
ما الأمنيات التي لم تحققها بعد؟
- أن أصبح «رئيس تحرير».
أخيراً.. من أنت؟
- رجل يحاول أن ينتقم من «ضغط العمل»، بافتعال «الوناسة»، والجلوس بين يدي والدته، والسفر مع زوجته، وتقبيل طفليه حتى في «الحلم».
أما شعراً فأنا:
واحد يحاول يمسح النار بالنور
رغم الظلام الكامن فوسط روحه