بصمت مؤلم غادر الحياة، بعد أن عاش مشرقا كالشمس لا تعرف الانزواء، أو السير خلف القوافل الذاهبة إلى عالم المجهول، محتفظا بمواقفه، وبشخصيته المتميزة؛ لتطوى صفحة أحد أبرز المثقفين في الجزيرة العربية. فبفقده سنخسر ذاكرته الشفافة، ومعجم لغته الدارجة المحكية المولعة بالتراث.
إن وصفته بالأديب الحساس، والإنسان المرهف، فهو كذلك. وإن تحدثت عن روعة أخلاقه، وكمال أدبه، فلم تشهد إلا بالحق. بدأ رحلته مع الإبداع الأصيل، فكان فارسا من فرسان الأدب. عرفناه بفصاحة بيانه، وسرعة بديهته في أحاديثه، ومداخلاته؛ ولأنه يُعتبر من مؤسسي الصحافة في المملكة العربية السعودية، وفي نجد على وجه الخصوص، فقد أصدر مجلة الجزيرة في عام 1379هـ، تحولت مجلة الجزيرة بعد ذلك إلى جريدة يومية.
كان وفاء صحيفة الجزيرة ضمن إصداراتها الثقافية، أن أصدرت كتابا عن الراحل، بعنوان: «عبد الله بن خميس.. قراءات وشهادات»، يليق بمقامه. وعزفت له من جميل الكلم ألحانا، ما فتئت ترددها الفيافي، والوديان. واليوم ننعاه بعد أن غيبه الموت عنا؛ ليسكن القلوب الملقيّة على قارعة الحزن.
عزاؤنا في الزاد الثر الذي خلفه للأمة، والأجيال القادمة، تاركا وراءه دراسات عديدة، وبحوثا في قضايا الأدب، والثقافة، لعل من أهمها: تاريخ اليمامة، والمجاز بين اليمامة والحجاز، وعلى ربى اليمامة، ومن القائل، ومعجم اليمامة، ومعجم جبال الجزيرة، ومعجم أودية الجزيرة، ومعجم رمال الجزيرة، وراشد الخلاوي، والشوارد، ومن أحاديث السمر، والدرعية، وشهر في دمشق، ومحاضرات وبحوث، ومن جهاد قلم، وفواتح الجزيرة، وأهازيج الحرب أو شعر العرضة، والأدب الشعبي بجزيرة العرب، وبلادنا والزيت، والديوان الثاني، ورموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح، وجولة في غرب أمريكا، وتنزيل الآيات - شواهد الكشاف، وإملاء ما من به الرحمن، وأسئلة وأجوبة.
سيبقى فكره منارة للقيم من معاني الحياة، والجميل من أحاديثه، والجليل من تاريخه. وسيتحدث التاريخ في ذاكرة الزمان حكاية المعجزات، حين عبر عنها الراحل بلغة أدبية سامية، ومعالجة روائية بديعة. وسيكون رحيله ظلال ذات شجرة في حروفنا، وأنفسنا. وستبكيه سطورنا المتواضعة، حين تلامس جراحنا الراعفة فجائية الموت. وإليه أقول: «موت الومض نقص من أطراف الأرض».. أليس الموت حق؟
drsasq@gmail.com