* عبدالله بن محمد بن خميس ينتمي إلى الجيل الأصيل الذي لم يقف حدود تثقيفه والاكتفاء بالكتاب المنهجي فقط وما تمليه عليه أسوار المدرسة أو الكلية فيما بعد.. بل راح يتخذ الكتاب صديقاً له ونديما.. يصاحب الورق تارة وتارة يصاحب القلم ولقد طرق شيخنا الفاضل أكثر من باب علم وكتب في أكثر من فن.. ولا ننسى أنه تسلح بالشهادة في بواكير حياته فحصل على شهادة دار التوحيد عام 1346هـ ليسانس كليتي الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة.. ولم تشغله الأعمال التي أنيطت به عن الكتاب فمنذ أن كان مديرا لمعهد الأحساء العلمي 1375هـ مروراً بإدارته لكلية الشريعة واللغة العربية بالرياض وإدارته العامة لرئاسة القضاء بالمملكة وتوليه وكالة وزارة المواصلات وانشغاله برئاسة مصلحة المياه.. لم تلهه تلك الكراسي والمناصب الحكومية عن الكتاب.. فقد كان الكتاب يراوده في كل مجلس مما جعله يظل أمينا للكتاب، وفيا للقلم واتخذ قراراً في عام 1392هـ بترك الكراسي التي أشغلته عن الكتاب لأجل أن يتفرغ للتأليف والقراءة والتزود مما في بطون الكتب..
تفرغ للقراءة والتأليف فألف في أكثر من فن.. كتب في مجال الرحلات بعنوان «شهر في دمشق» كان ذلك في عام 1375هـ .. وراح ينافح بقوة عن الأدب الشعبي وله معارك أدبية من أجل أن يثبت هوية القصيدة الشعبية وأنها الابن الشرعي للقصيدة العربية الأصيلة في وقت كثر فيه اللغط والمساومة على تلك القصيدة التي يرونها الندّ والجرثومة التي تقتات فصاحة اللسان وتهدد كيان اللغة.. كان الشيخ عبدالله يثبت أن هؤلاء البدو ورجال الصحراء ينطقون بالضاد ويتكلمون الفصيح في لسانهم.. وكتب الشيخ ابن خميس سفراً في ذلك وأسماه «الأدب الشعبي في جزيرة العرب.. « وكتب أيضاً عن الشخصية الشعبية التي كانت بوادي «الجزيرة» وحواضرها تردد حكمته وشعره ألا وهو الشاعر راشد الخلاوي.. فكتب عن «راشد الخلاوي: حياته وشعره وحكمته وفلسفته ونوادره وحسابه الفلكي» وللشيخ عبدالله بن خميس دواوين شعرية من بينها «على ربى اليمامة».
كما ألف في المجال القصصي وجمع لنا قصصاً من الصحراء وأسماها «من أحاديث السمر» ولديه مؤلفات عديدة في أكثر من جانب لا يتسع المجال هنا لذكرها وهذا يدل على أن ابن خميس وظف قلمه لجميع الفنون والتيارات ولم يقتصر على نهر معين بل ارتوى من جميع الأنهر وجمع أزهاره من كل البساتين.
في سنة 1379هـ كانت الساحة المحلية حافلة بالإصدارات الصحفية فمن المجلات كان عبدالقدوس الأنصاري يصدر مجلة المنهل وأحمد السباعي يصدر مجلة «قريش» وعبدالفتاح أبو مدين يصدر الرائد فيما كانت الصحف السيّارة آنذاك فمن مكة المكرمة كانت تصدر «أم القرى» و»حراء» و»الندوة» ومن الرياض تصدر «اليمامة» ومن جدة تصدر «الرائد» و»البلاد السعودية» ومن المدينة جريدة «المدينة المنورة» ومن المنطقة الشرقية كانت تصدر صحيفتا «أخبار الظهران» و»الخليج العربي» ومن القصيم جريدة «القصيم».. وغيرها وكان الشيخ عبدالله بن خميس وقد بلغ من العمر أربعين عاما آنذاك يشعر بأن العاصمة تفتقر إلى الإصدارات الثقافية وعزم على تنفيذ إصدار مجلة تحمل اسم «»الجزيرة» وهناك كتيب جميل بهذا الشأن تحت مسمى قصة «الجزيرة» وهو كتاب توثيقي أصدرته جريدة «الجزيرة» بمناسبة الاحتفال بافتتاح المقر الجديد للمؤسسة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض وكان ذلك يوم الثلاثاء 19-11-1417هـ الموافق 18-3-1997م.. هذا الكتيب يروي البدايات الجميلة لإصدار المجلة وولادة معلم ثقافي في البلاد.. وتقص علينا الأحداث بأن بدايات المجلة ونشأتها من منزل الشيخ ابن خميس الكائن في شارع الخزان عام 1379هـ وكان الأدباء يتوافدون عليه كل مساء وفي يوم من الأيام تفاجأ الجميع بأن مجلس الاستقبال في منزل الشيخ ابن خميس قد تغير أثاثه، إذ حل مكانه عدد من الكراسي الجديدة ومكتبان أحدهما للشيخ ابن خميس والآخر للأستاذ إبراهيم السيف الذي كان يعمل مصححاً لغويا للمجلة.
وتحكي بدايات قصة «الجزيرة» أيضاً أن كان من رواد مكتب المجلة الشيخ عبدالعزيز المسند والشيخ عثمان الصالح والشاعر محمد المسيطير والأساتذة عبدالرحمن المعمر ومحمد بن عباس ومحمد الحمدان وقد تباحثوا مع الشيخ ابن خميس وتذاكروا معه في إصدار مجلة.. في هذه اللحظة وجه مؤسس المجلة ورئيس تحريرها خطابات إلى جمهرة الأدباء والمثقفين في البلاد، دعاهم فيها إلى المشاركة بأبحاثهم ومقالاتهم في المجلة الجديدة.. كما استكتب ابن خميس زملاءه وأصدقاءه ومؤيدي مشروعه الذين سارعوا إلى رفد المجلة والإسهام فيها بالكتابة والرأي والملاحظة فتحول الحلم إلى واقع والفكرة إلى حقيقة.. وبدأت المقالات تفد إلى الشيخ ابن خميس.. والقصة أيضا تحكي لنا أن المجلة قد كبرت واستقر اسمها في الأذهان وأصبحت ذات قيمة ثقافية وفكرية فاستأجر لها الشيخ ابن خميس دكاناً في شارع السويلم لتكون ذات مقر وكيان مستقر ولما تضاعفت أسرة التحرير وكَثُر عدد زوارها انتقل مقرها إلى شقة متواضعة في شارع الظهيرة خرجت «الجزيرة» المجلة وصدر عددها الأول في شهر ذي القعدة عام 1379هـ الموافق ابريل 1960م وكان الشيخ ابن خميس يحرص على أن تكون المواد المنشورة من شتى أنواع الثقافة والفنون والآداب.
ولأهمية العدد الأول من هذا الإصدار نجد أن الأسماء المشاركة في إعداد مواده هي نخبة من الأدباء كالأستاذ مصطفى صادق الرافعي والشيخ حمد الجاسر والأستاذ فهد المبارك وغيرهم.. وعند تصفحنا للمجلة نجد أن الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس يستهل العدد بمقالة افتتاحية نادى من خلالها الأدباء أن يسهموا بكتاباتهم وإبداعاتهم فيها حيث قال: .. مجلة «الجزيرة» منبر تستطيع من على قمته أن تنادي بفكرتك، أيا كان اتجاهك واختصاصك، وأن تعتبرها مجلتك التي بها وإليها تفزع كلما راودتك فكرة، أو أردت نشر دعوة، في حدود الأهداف متحاشين أن نجعل منها مطية لمدح، أو أداة لغرض خاص، أو سبيلاً لما يخالف أهدافنا السامية، ومثلنا العليا.. أو ميدانا للتشهير والتجريح والإسفاف..
من خلال هذه الكلمة يتضح لنا أن الشيخ عبدالله يسعى من خلال إصدار المجلة إلى فتح جميع النوافذ الأدبية مع المحافظة على الجذور والتزود من جميع الثقافات والعلوم والفنون فهو ينادي على جميع الأدباء والمفكرين أي كان اختصاصهم أن يساهموا في بناء هذه المجلة، أما الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ فقد كتب في هذا العدد مقالا تحت عنوان «واجب العلماء نحو الناشئة» وخص الشيخ حسن بن عبدالله بن حسن مقالاً للمجلة بعنوان «الصحافة التي نريد» جاء فيها ما يلي: «الصحافة سلاح ذو حدين بمعنى أنها إذ يتحقق منها النفع المباشر للمجتمع الذي تبرز فيه في المجالات التي تطرقها حيث تساهم في تطوير العقول والأذهان وكشف الحقائق ورفع كابوس الوهم والحيرة عن النفوس وفي إيضاح جانب الحق والخير والطمأنينة والسلام..».
وعلق الأستاذ عبدالله السعد القبلان آماله على المجلة وقال في هذا العدد: «لا شك أن الآمال المعلقة على هذه المجلة آمال ضخمة وواسعة ولن يتسع المجال لحصرها في هذه العجالة، ولكن هذا لا يغني عن القول بأننا نريدها أن تكون دعامة قوية وركيزة ثابتة في بناء الصرح الأدبي لوطننا الغالي وتطويره والنهوض به، ومرآة صادقة للتعبير عن مشاعر المواطنين وأحاسيسهم».
وتطالعنا المجلة بمقال أدبي عن «نجد وصباه وشيحه وخزاماه في الشعر العربي» للأديب أحمد بن إبراهيم الغزاوي حيث أتحفنا بالقصائد الرائعة التي قيلت في نجد نختار منها تلك الأبيات التي قالها أبو عبدالله بن الحكيم في أواخر القرن السادس الهجري:
بي شوق إليهم ليس يعزي
لجميل، ولا لسكان نجد
يا هبّة نسيم الصبا، إذا صبت يوما
ملئت أرضهم بشيح ورند
وقال الشريف الرضي أيضا:
شممت بنجد شيحة هاجريه
فأمطرتها دمعي وأفرشتها خدي
ذكرت بها ريا الحبيب على النوى
وهيهات ذا؟.. يا بعد بينهما عندي
أما الأديب عبدالقدوس الأنصاري صاحب أول رواية محلية «التوأمان» فقد قدّم التهنئة خالصة مخلصة إلى الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس بمناسبة إصدار هذه المجلة التي أعدها بمثابة مشعل جديد من مشاعل المعرفة في بلادنا وقال أيضا «الصحافة العلمية البناءة، وهي التي تتمثل المجلات مشعلاً يضيء الطريق، ويفتح بعصاه السحرية الآفاق» وكتب الأديب أحمد السباعي عن «قصة الترف في الحجاز القديم» وحكى للمجلة عن وادي العقيق الذي كان منتزه الطبقة الراقية الذي يصور لنا الكتاب كيف كان الشعراء يحتفلون بهذا المكان حيث.. «تصدح على غير بعيد أصوات المعازف كأنها ترتل ترانيم الشعراء وتهزج بأهازيجهم وينحدر الممشى بالمتفرجين حتى ينتهوا إلى ما يشبه الخور على حافة السيل فإذا شاب من أحفاد معاوية في طيلسان من الديباج الأخضر يتوشح بمطرف من الخز قد استند على جذع نخلة باسقة وراح يبث من حوله تباريح جواه في نغمات شجيه يسيل بها النسيم الرفاف إلى المسامع.. هذا مسيل العقيق كمنتزه عام نستجلي فيه صورة واضحة من صور الحياة في ذلك العهد الزاخر بالترف» أما الأستاذ محمد عمر توفيق فقد رسم هدفه «الهدف الأكبر» على المجلة وقال: «ليس من همي أن أتفلسف في ذلك كما فعل بعضهم من أيام سقراط فهناك كتاب ضخم عنوانه كما أظن «فلسفة اللذة والألم» نقله إلى العربية إسماعيل مظهر، وهو كاتب فحل شهير، أو هكذا كان في أيامه، ثم انطوى فلم يرتفع له صوت إلى اليوم.. شأن بعض من لمعوا من رجال القلم والفكر.. ثم انطووا لأسباب يطول شرحها.. وتلك مسألة أخرى.. فالمهم أن في كتاب الأستاذ مظهر من البحث ومن أفكار «أرسطيس» وغيره من الفلاسفة ما قد يدير الرأس.. وكتب الأستاذ أحمد جمال للمجلة عن «المرأة المسلمة بين الأمس واليوم» حيث قال الكاتب في البداية «هذا العنوان الذي اختاره الأستاذ عبدالله بن خميس لأن أكتب تحته.. عنوان كبير، يحتاج إلى كلام كثير لا تطيقه صحافة اليوم» ويبدو لنا من خلال هذه الجملة أن الشيخ ابن خميس كان يملي على الكُتّاب قراراته ويوجههم للكتابة في موضوع ما وفق تخصصاتهم واتجاهاتهم الأكاديمية والفكرية والأدبية.
أما الشيخ عبدالكريم الجهيمان صاحب الأساطير والأمثال الشعبية فقد بين لنا عن أسباب تخلف الشعر وقال: «إن الشعر عند القدماء هو الشيء الوحيد الذي يعلق بأذهانهم.. وتتأثر به حياتهم.. وأفكارهم بخلاف اليوم فقد أصبحوا يقرأون ويكتبون.. ثم أصبحوا لا يستثيرهم زخرف القول.. ولا يؤثر فيهم الخداع والتلاعب بالألفاظ والشعر كما تعلم أيها القارئ.. مبني على الخداع.. والإغراق في المبالغات.. والتشبيهات..والشبهات التي أصبحت لا تؤثر على أفكار الرجل العصري ولا تزعزع عقيدته.. فيما كان قد اقتنع به وسنه لنفسه».
ولخص الأستاذ سعد البواردي «عوامل تنمية الأدب» في مقال له تحت هذا المسمى وقال «وعوامل تنمية الأدب.. لا تفيد حين لا تجد أرضا مخصبة تستقبل البذور الصالحة وترعاها.. وإذاً فإن من عوامل تنمية الأدب أن تستبعد الطحالب.. والرواسب الميتة والخشاشات العالقة بذلك الكيان.. تستبعد لأنها المرض ذاته.. المرض الذي يجلب العدوى.. ويشوب المرآة الصافية ويسيء إلى السمعة الأدبية النزيهة..» ويقول أيضا إن «الأدب يجب أن يظل صافيا.. مشرقا.. قوي الإيمان بالله.. قوي الإيمان برسالة الحق.. يعبر ولكنه لا يخون يتحدث ولكنه لا يخاف.. يعالج ولكن بعد أن يشخص المرض الذي من أجله أعطى العلاج.. يدل الناس ولكنه لا يكذبهم الطريق.. يرعى حقوق الناس ولكنه لا يتخلى عنها.. يضع النقاط على الحروف لأن من الناس الكثير ممن لا يحسنون قراءة الحروف دون نقاط».
وحيا الشاعر أحمد فرح عقيلان مجلة «الجزيرة» وبارك إصدارها وأشاد بخطواتها الأولى وذلك في قصيدة بديعة خص بها العدد وقال:
حي هذي «الجزيرة» العربية
فهي مهد الأمجاد والأريحية
منزل الوحي والنبوة والعلم
ونبغ المواهب القدسية
موطن الشعر والبطولات والحب
ومجلى النبوغ والعبقرية
هذه الأرض حسبها من فخار
أنها أنجبت منار البرية
حكم الراشدون منها ودانوا
أمم الأرض بالخصال الرضية
طلعوا والحياة في طمر ظلم
فكسوها عدالة عمرية
خالد يصعق المظالم في الشام
وسعد يصول في القادسية
ولواء القرآن يخفق بالعدل
فتخبو مظالم الجاهلية
وصفاء التوحيد يشرق في الكون
فيمحو دياجر الوثنية
وشباب الإسلام منها أقاموا
دولة الله بالنفوس التقية
كم سقوا موضع السجود دموعاً
وأحلوا القنا دماء زكية
فلهم في الدجى بكاء حزين
ومع الصبح غضبة مضرية
حملوا للوجود أنبل شرع
وأدالوا من كل ذي عنجهية
علموا الكون انما الملك لله
فلا قيصر ولا كسروية
وبأن العباد في الله اخوان
فلا نعرة ولا عنصرية
شرعة تكفل المساواة والعدل
وتحمى سعادة البشرية
وشرح الشيخ المربي الفاضل عثمان الصالح على صفحات المجلة رسالة المعلم وقال: «رسالة المعلم رسالة خالدة خلود الزمن باقية بقاء الإنسان، رسالة المعلم للمجتمع صلاح وإصلاح يبث فيه الوعي ويزرع فيه الفضيلة، وينشر فيه النور والعرفان، رسالة المعلم ترتفع بالعقول من المستوى الوضيع إلى المستوى الرفيع».
أما الأستاذ فهد المارك فقد أهدى للشيخ ابن خميس وسأل الله له التوفيق في إصدار مجلته بعد أن يجتاز مرحلة الامتحان على حد تعبيره وكتب الشيخ المرحوم حمد الجاسر مقالا عن منازل العرب في الجاهلية وصدر الإسلام قال فيه: «لقد كانت عناية علماء الأدب إبان تدوين اللغة العربية في القرن الثاني الهجري، وفي الثالث في تحديد أمكنة القبائل، ومساكنها، عناية فائقة، فاتجه قادتهم ومشاهيرهم كأبي زيد الأنصاري والأصمعي ثم من بعدهم في القرن الثالث الهجري، كأبي حنيفة الدينوري وغيره، ثم في القرن الرابع الهجري كالعالمين الكبيرين، أبي محمد الهمذاني، وأبي زكريا الهجري، عنى هؤلاء، وغيرهم بتحديد المنازل وبيان أمكنة القبائل.
وكتب للمجلة أيضاً الأديب مصطفى صادق الرافعي قصة زواج ابنة سعيد بن المسيب من الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك كما كتب الأستاذ محمد سعيد دفتردار عن «اليهود في المدينة المنورة» فقد تحدث عن خيانتهم لله ورسله ونكثهم للعهود والمواثيق وسلط الأضواء على مكرهم وخديعتهم وبين أنهم أمة رجس وفجور وأهل فساد وإفساد في الأرض.
وهناك باب استحدثه الشيخ ابن خميس في مجلته البكر ألا وهو زاوية «اسأل تجب» وهو بقلم الأستاذ عبدالعزيز بن محمد المبارك وكان السؤال في هذا العدد عن تاريخ اليمامة وهناك بالمجلة زاوية طبية تحت مسمى «الأطباء يقولون» ومما يلفت نظرنا أن الموضوع الذي طُرح في هذه الزاوية كان مستمداً من البيئة وهو عن أكثر الأمراض انتشاراً في منطقة نجد كالجدري والبلهارسيا نجد بقلم الدكتور محمد خيري أبو الشامات الذي قال: «تعرفت على كثير من مناطق نجد مدة خمسة أعوام زرت أكثر بلدانها وقراها وتمكنتُ من معرفة مختلف الأمراض وأكثرها انتشاراً وأفضل الطرق لوقايتها».
كما استحدث أيضا الشيخ ابن خميس زاوية علمية في مجلته وذلك لإيمانه بضرورة التنويع في أبواب المجلة وأن لا تقتصر على فن معين لكي تستحوذ على اهتمام الجميع وليجد كل فرد في تلك المجلة البكر بضاعته وما يحتاج إليه فهناك زاوية علمية تسلط الضوء على إنجازات العلماء تحت مسمى «العلم والاختراع» وقد كتب في هذه الزاوية الدكتور عبدالمنعم الحفناوي عن «فلمنج والبنسلين» وكان مما قال: «فلمنج والبنسلين اسمان كتبا في تاريخ الطب وفي تاريخ الحروب وفي تاريخ الإنسانية فكم من أرواح أنقذها بعد الله وكم من أرواح سينقذها فلمنج.» وهناك زاوية بالمجلة تحت مسمى «مكتبة «الجزيرة»» تسلط الضوء على الإصدارات الحديثة آنذاك وقد أعطت للسادة القراء ملخصاً عن كتاب «الأمثال العامية في نجد» للشيخ محمد العبودي.
وكان الشيخ ابن خميس يعلم أن للقصص الشعبية لها روادها في البلاد ومن ذلك استحدث في مجلته زاوية قصصية تحت مسمى «قصص من البادية» وفيها يقول صاحب المجلة :» ومن هذا الباب سوف نطل عليك في كل عدد من أعداد «الجزيرة» بقصة واقعية من قلب جزيرتك تصور ما لسكانها من مجد وكرم وأمانة وشجاعة وحماية ورعاية تحلى بها ابن الصحراء وورثها خلفا عن سلف وكانت ديدنه وهجيراه.. وكان الشيخ ابن خميس يطلب من القراء أن يبعثوا إليه بقصصهم لكي يعيد صياغتها وأسلوبها من جديد وفي ذلك يقول :» فإذا كنت ممن لا يكتبون القصة ولا يحذقون الصياغة فاتركها لقلم المجلة ليصوغها بأسلوبه ويقدمها لك في بيان سهل مفهوم أقرب إلى ذهنك وألصق بواقعك وسوف تنسب القصة إليك».
وكتب خالد خليفة قصته عن «تجربة قاسية» للمجلة وفيها يروي حكايته التي تتلخص في أنه تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت قسم الجيولوجيا وكان والده يبحث له عن زوجة له من بنات بلاده لكي يكمل نصف دينه ولكن «المهر الخيالي» هو العائق الوحيد الذي يقف تجاه تحقيق مشروعه الاجتماعي وحلمه النبيل.
وقد استحدث الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس في المجلة زاوية تتابع الحركة الثقافية في البلاد وكان لا يكتفي بإيراد الخبر فقط بل يعلق عليه من ذلك هذا الخبر الذي كان عن كتاب صدر في القاهرة آنذاك وهو كتاب «في موكب الخالدين» للأستاذ عبدالسميع المصري يعرض فيه المؤلف لحياة طائفة من الأدباء والشعراء العرب في القديم والحديث.. فيعلق الشيخ ابن خميس على هذا الخبر ويقول «فمتى يا ترى نجد في مكتبتنا سفراً مثل هذا يضم تراجم رجال الأدب» يقصد بذلك كتب تراجم الأدباء المحليين..
ولقد كان الشيخ ابن خميس يؤمن بضرورة إحياء مجلته وخروجها من قوقعتها وصومعتها لتشارك في صياغة أخبار المجتمع وتعايش أحداثه فاستحدث صفحة بهذا الشأن تحت مسمى «أنباء وتعليقات» وكان لا يكتفي بإيراد الخبر فقط بل ويشارك في إعادة صياغته والتعليق في باب «الحركة الثقافية» من المجلة ففي خبر مفاده أن بدأت وزارة المواصلات في تنفيذ عدد من مشروعاتها آنذاك بمدينة الرياض يعلق الشيخ ابن خميس ويقول «فليبارك الله هذه الخطوة.. ويزيدنا من أمثالها مشاريع بناءة هادفة» ونحن نقول للشيخ ابن خميس ونردد معه تلك الدعوة التي دعاها قبل أكثر من أربعين عاما ونقول له فليبارك الله في عمرك وخطواتك بتلك المجلة الناشئة التي أينعت ثمارها بعد تلك السنين وصار صداها يتردد ما بين المشرق والمغرب ألا وهي جريدة «الجزيرة».
******
(نشرت هذه المادة سابقاً بمناسبة تكريم الشيخ ابن خميس في « جنادرية 17 « )