1- مقدمة استهلالية..
في البدء لابد من الإقرار بأنَّ خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما والذي فرضه ما يشهده العالم العربي من عمليات تغير سياسي أطاحت بأنظمة كانت ذات علاقة إستراتيجية وتحالفية مع الإدارة الأمريكية وتهدد أنظمة من الشريحة نفسها، ولهذا فقد كان مهماً جداً أن يعرف رأي الحليف عن الوضع الجديد لمن جاء بعد حلفائه وعن مصير الحلفاء الباقين، ولهذا أيضاً لابد من الإقرار بأنَّ الرئيس الأمريكي كان -وإلى حد ما- واضحاً في تحديد الموقف الأمريكي مما يحدث في المنطقة العربية، وهو موقف وإنْ غُلِّف بالالتزام بالقيم الأمريكية والدفاع عن الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أنَّ المصلحة الأمريكية الإستراتيجية والاقتصادية لم تكن غائبة، وإنْ ظل الانحياز نحو إسرائيل بحجة الالتزام بأمن هذا الكيان الذي يوظِّف هذا الالتزام للتمرد على الشرعية.
أوباما أظهر انحيازاً لحركات التغيير وللشباب الذين أحدثوا التغيير في عدد من الدول العربية، كما أنه كان واضحاً في إظهار مواجهة الأنظمة التي تقمع شعوبها، وشدد على الثقافة الأمريكية التي تعتمد على أسلوب الحوار لحل الخلافات السياسية بحيث تكون بشكل متكافئ وليس من خلال الضغط والتسلط. في خطاب أوباما الذي كان محيطاً بكل الأحداث وقدم صورة للموقف الأمريكي منها، هناك جوانب إيجابية عديدة، إلا أنه في المقابل هناك جوانب غير واضحة وأخرى سلبية، سواء في مقاربات السيد الرئيس أو إيراده شواهد ربما استقاها من تقارير السفارات الأمريكية في المنطقة، ومنها حرق المساجد، ومع أنه لم يحدد البلدان التي أُحرقت فيها المساجد، إلا أن هذه (البدعة) كانت أول من أدخلها واستعملها هم (رسل الديمقراطية في العراق) حيث قامت المليشيات الطائفية التي دخلت وتشكلت في العراق تحت عباءة الاحتلال الأمريكي. كما أن الرئيس ما كان له أن يتمنى للعرب أن تحل عليهم (نعمة الديمقراطية) كما هي مطبقة الآن في العراق، فلا خير في ديمقراطية تقسم البلاد إلى طوائف وأعراق وتقسم السلطة إلى محاصصة غير متكافئة وتجعل ثروة البلاد مباحة ينهشها الفساد مما أخر وسيؤخر تنمية العراق التي يعيش أكثر من نصفه فقراً مدقعاً بسبب هذه الديمقراطية. أما فيما قاله عن حل الدولتين (الدولة الفلسطينية والإسرائيلية)، فلعل ذلك أكثر فقرات الخطاب التي أُلقيت بتوازن أظهرتْ أن أوباما فعلاً يريد أن ينجز حلاً للقضية الفلسطينية، وأنه مستعد لمواجهة عش الدبابير الصهيونية التي تستحوذ على النفوذ والقوة في داره ..دار الرئيس الذي عليه أن يطأطئ الرئيس قليلاً كما فعل أسلافه.. وقد يتجاوز أوباما ذلك، والاختبار قريب عند اللقاء بنتياهو والخطاب القادم أمام الإيباك.
jaser@al-jazirah.com.sa