الذين صنعوا علامة فارقة وتحولات مهمة في مشهدنا الوطني العام تجمعهم سمة واحدة مهما اختلفت مجالاتهم, إنها سمة الجدية والدأب والحدب على عملهم والانقطاع إليه عما سواه وإيمان بجدواه وأثره الذي سيكون حتماً وبعد حين.
تأملت كثيراً في سيرة رجل عصامي مثل عبدالله بن خميس نشأ في بيئة قروية بسيطة لكنه كابد حتى يكون علامة فارقة في جيله, لم يستند على جاه أو يتخذ واسطة أو يتحزم بنسب أو حسب, انطلق من نخيل الدرعية فتى لا يملك إلا طموحه وجديته في البحث وتوقه لبلوغ مرامه من المعرفة.
إصدار مجلة في نجد هي سابقة حضارية تنويرية فمنابر الرأي هي أكثر الطرق نجاحاً في الإصلاح والتطوير وكانت مجلة الجزيرة هي جريدة الجزيرة التي أصبحت وما زالت صوتاً شعبياً قوياً وفاعلاً في الإصلاح والتطوير في عهد الجاد في عمله خالد المالك.
كان ابن خميس صاحب صوت حر لا يداهن في الحق ولا يقول ما يقوله الآخرون بل كان دائماً صاحب رأي خاص يعلنه مهما كان مختلفاً.
ففي الوقت الذي كانت فيه محاربة الشعر الشفاهي والحكاية المروية الشعبية تعني تنويراً وثقافة كان ابن خميس مؤمناً بأدب العامة واتصاله بالهوية الخاصة الشعبية التي هي موازية ولاشك للهوية الثقافية العامة فأعد برنامجاً ذائع الصيت كان أجدادنا وآباؤنا يضبطون ساعاتهم عليه حرصاً على الاستماع إليه هو برنامج من القائل الذي أصبح مرجعاً للدراسات الأنثربيولوجية لإنسان الجزيرة العربية قبل توحيد المملكة العربية السعودية.
رحل ابن خميس لكنه لا يرحل أبداً عن التاريخ الثقافي السعودي، فلابن خميس فتحان مهمان: أولهما التنوير الإعلامي بتأسيسه لصحيفة «الجزيرة» وإيمانه بالكلمة وتأثيرها واتصافها بالشفافية، وثانيهما اهتمامه الكبير بالثقافة الشفاهية الخاصة للصحراء عبر اهتمامه بتوثيق الشعر الشعبي، وهو بذلك سباق إلى الاحتفاء بما تهتم به المنظمات الثقافية العالمية في وقتنا الحاضر، إذ تعتبر المحافظة على الثقافة والموروث الخاص دلالة وعي وتنوير غير مسبوق يحسب لابن خميس ولا شك.
رحم الله التنويري ابن خميس، ومثله من الجادين يرحل جسداً ويبقى بيننا دائماً ذكراً وتاريخاً.
f.f.alotabi@hotmail.com