صدقوني، وبدون مبالغة، الأعمال التطوعية ارتبطت بشخصية المواطن السعودي من الجنسين, يعني «الفزعة» هي النوع الثالث في «كريات دم كل سعودي» حتى ولو لم تظهر في المختبرات الطبية!! ولعل ذلك انعكاس طبيعي لدور «بلادنا الغالية» الرائد في الأعمال الخيرية ودور «قادتها» - حرسهم الله - في مد يد العون والمساعدة لكل محتاج وملهوف أياً كان عِرْقه ولونه. إلا أن الأشكال التطوعية تغيرت في بلادنا، وتطورت صورها بتطور الظروف والأحداث؛ فقديماً كان التطوع في أبسط صوره يرى بيننا؛ إذ من «العيب» أن تتجاوز شخصاً يقف على قارعة الطريق «متعطل» ويحتاج مساعدة دون أن «تفزع له» بعكس اليوم حيث يرفع شبابنا شعار «ابعد عن الشر وغني له»!! هذا الشعار «ماركة» توصي به «الأمهات» السائقين الجدد من شبابنا دائماً على اعتبار أن معظم المشاكل تقع على قارعة الطريق حتى وإن كان الوقوف إلى جانب المحتاج مما حث عليه الدين ورغب به «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس». أعود لمسألة العمل التطوعي؛ حيث أعجبني كثيراً «موقف فتياتنا» وثقافتهن عن التطوع، وقد زرت إحدى الحملات التي نُظِّمت في المنطقة الشرقية، وهي «حملة طوق»، بقيادة الناشطة السعودية في مجال التطوع «رانيا بوبشيت»، وهي «مديرة أول جمعية رسمية للعمل التطوعي»، وبُهِرتُ من التنظيم الدقيق للعمل المؤسسي لديهم؛ فهناك سجلات حضور وانصراف لحساب ساعات عمل المتطوعين والمتطوعات، وتنظيم دقيق ومهني لدورهم التطوعي، وهناك قوائم تضم أكثر من 400 شخص من مختلف التخصصات الطبية والإسعافية والإغاثية، شباب محبون لوطنهم مخلصون له، جاهزون للتدخل السريع حال الكوارث - لا قدر الله -؛ ما يدل على زيادة انتشار ثقافة التطوع لدينا بأشكال جديدة حتى ولو لم «نفزع للمتعطلين على الطرقات»؛ ما يوجب ضرورة الحفاظ على هذه المناشط التطوعية من الانقراض؛ حتى لا يُصاب مثل هؤلاء بالملل من جراء مصادرة جهودهم!! يجب أن نُفرِّق بين «التطوع الحقيقي» لمسح الألم وسد الحاجة للمنكوب و»الترزز» على صفحات الفيس بوك والجرائد وشاشات التلفزيون «للتنظير» عن العمل التطوعي!! للأسف ما أكثر من يُلمع صورته «بعرق» المسعفين والمتطوعين، وعلى حساب «جراح وعوز» المحتاجين. فنحن بحاجة إلى «عمل لا قول وتنظير» من أجل أن تقوم الأعمال التطوعية لدينا بدورها المنتظَر. إحدى الدراسات تقول إن 81 % من الشابات المنخرطات في العمل التطوعي يبحثن عن الخبرة87 % منهن يردن كذلك أن يحققن الرضا النفسي، بينما 71 % يكتشفن صداقات جديدة من خلال هذه الأعمال، و9 % فقط يعتقدن أن التطوع إهدار للطاقة ومضيعة للوقت! وحتى لا ترتفع نسبة «الـ9 % الأخيرة» يجب أن تنتشر ثقافة العمل التطوعي لدينا بالشكل الصحيح من خلال سرعة تفعيل نظام «مكافأة» المتطوع بحوافز «العمل التطوّعي»؛ حتى لا تُقتل الهمة لدى شبابنا، ويبقى التطوع لدينا فقط لمن هم «خمس نجوم»!!
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net