الاستثمارات الحديثة الضخمة في اقتصادنا الوطني عادة ما تأخذ حقها من الدعم إلى أن تقف على أرض صلبة ولعل الشواهد كثيرة يبرز منها قطاع الصناعات البتروكيماوية وغيرها إلا أن الاستثمار بالطيران الاقتصادي الوطني يحدثنا بغير ذلك فشركة سما توقفت عن التحليق ويبدو أن ناس قد تلحق بها.
فإذا كانت أغلب القطاعات الاقتصادية تنال نصيبها وحظها من الاهتمام فإن ما حدث لشركات الطيران التي أسست خلال الأعوام الأربعة الماضية يعبر عن واقع مرير يحتاج إلى إعادة نظر ووقوف عند كل العقبات التي واجهت الشركتين الوليدتين ناس وسما خصوصا أن الأخيرة توقفت عن التشغيل بالعام الماضي لأسباب مشابهة كالتي أعلنت عنها ناس مؤخرا وبأنها في طريقها للإفلاس إذا ما استمرت الظروف التشغيلية المحيطة بعملها كما هي.
ومن المهم أن نعرج قليلا على ما حظيت به العديد من القطاعات الاقتصادية من دعم كبير أوصل بعض الشركات التي تمثل تلك القطاعات إلى مصافي الشركات العالمية كسابك وغيرها فقطاع البتروكيماويات يحصل على أسعار مميزة للقيم العنصر الأساس في هذه الصناعة بينما يأتي الدعم أيضا من البنى التحتية التي تهيأ لهذه الشركات بالمدن الصناعية والخدمات الكبيرة المقدمة لهم بأسعار وتكاليف بسيطة أما قطاع الاتصالات فقد أعفيت الشركات الجديدة فيه والمقصود خدمات الهاتف الجوال من دفع الرسوم لخمس سنوات عند التأسيس بينما تحظى الشركات الصناعية بالعديد من المزايا سواء بأسعار الطاقة أم بإعطائها الأولوية لتمويل المشاريع الحكومية بما تحتاجه من مواد تصنعها تلك الشركات هذا بخلاف الرسوم وغيرها من الجوانب التي تقلل التكاليف عليها وتسمح لها بالتصدير والمنافسة خارجيا.
ويبقى قطاع النقل أحد أهم شرايين الاقتصاد والمعبر في نشاطه عن مستوى النمو الاقتصادي وتحظى شركة النقل البري الجماعي بدعم كبير سواء مادي عبر مشروع منحها مبالغ سنوية تقدر بحوالي 43مليون ريال سنويا هذا بخلاف الامتياز الممنوح لها بالنقل الداخلي بينما يعطى الوقود الخاص بشركة النقل البحري بأسعار أقل بكثير من نظيراتها العالمية ولا يقل الدعم الممنوح للخطوط الجوية السعودية عن غيرها فأسعار الوقود التي تحصل عليها تكاد لا تذكر إذا ما قورنت بغيرها على مستوى المنطقة تحديدا.
ولذلك فإن كل هذا العرض يقودنا للحديث عن أهمية دعم شركات الطيران الاقتصادي ولأسباب عديدة أولها إن هذا النوع من الخدمات له أهمية كبرى فالمملكة واسعة المساحة ولله الحمد وتحتاج إلى خدمات نقل كبيرة ومتعددة وقد أنشأت حكومتنا الرشيدة مطارات بمختلف مناطق ومدن المملكة وذلك لتسهيل حركة تنقل المواطنين والمقيمين مما يستدعي وجود شركات تخدم زيادة الطلب على النقل الجوي كما أن لهذا الاستثمار أهمية كبرى بفتح فرص وظيفية للشباب السعودي فهذه الشركات وظفت المئات من الشباب السعودي ويدخل الاستثمار بمجال النقل الجوي في سياق توطين الأموال المحلية وتنميتها وانعكاس فائدتها على مجمل الاقتصاد السعودي.
إلا أن التجربة لهذه الشركات لم تكن مشجعة لزيادة ضخ الأموال بهذا القطاع الحيوي فبالرغم من نمو إيرادات تلك الشركات بشكل سريع إلا أن تكاليف الوقود تبقى مرتفعة عليها بل إن توقعات شركة ناس بأن تصل إيراداتها إلى قرابة 1.5 مليار ريال بالعام الحالي تعبر عن مستوى النمو الكبير على حركة النقل الجوي فخلال أقل من أربعة أعوام نمت الإيرادات لديها بأكثر من 15 ضعفا لكن تكاليف الوقود لا تزال تشكل قرابة 50 بالمائة من مجمل التكاليف وهذه أرقام كبيرة ومرهقة خصوصا أن الشركة تقول بأن الأحداث التي حصلت مؤخرا بالمنطقة العربية أثرت عليها بشكل كبير.
ومعروف أن أي أزمات سواء اقتصادية أو جيوسياسية أول ما تصيب بآثارها السلبية قطاع الطيران والسياحة بشكل عام ومن هنا تبرز أهمية إعادة النظر بواقع شركات الطيران الجديدة والنظر في واقعها بما يكفل استمرارها لما لذلك من انعكاس إيجابي على المجتمع والاقتصاد السعودي فكما للشركات الصناعية صندوق يدعمها وإجراءات وأنظمة تقوي من عودها وكذلك بقية القطاعات فإن لهذه الشركات أهمية كبرى تتطلب أن يكون لها معاملة خاصة في بداية عملها لكي تستمر وتنجح هذه الصناعة المهمة والحيوية وتعزز من حقيقة أن الاستثمار بالمملكة وبالاقتصاد السعودي ناجح بكل المقاييس.