لم يذهب سدى جهد من بذل الغالي والنفيس في سبيل تعليم فئة من فئات هذا المجتمع الواعد، الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالتعليم مطلع حياتهم، القائد النبيل قدّر المواقف، والجهة المعنية بهم لم تتخل، فكانت الاستجابة السامية بتثبيت من عمل بهذا المسار، وفاءً وعرفاناً بجميل صنيعهم.
السؤال الملح والمفحم لي ولغيري، منذ متى وإلى متى، ونحن نعزف على وتر (محو الأمية)؟، في بلد متطوِّر يفترض فيه تجاوز مثل هذه البرامج ؟ أو بتعبير أدق يفترض أنّ مفهوم الأمية لديه نحت منحى آخر، غير هذا المنحى التقليدي السائد الذي لا يعرف عنه البعض ـ خاصة من هم خارج مؤسسات التعليم ـ سوى أنه مجال وظيفي، لا أقلّ ولا أكثر.
قبل سبع سنوات رفعنا شعار برنامج (مجتمع بلا أمية)، وحزنا على جوائز دولية في هذا الجانب، وكنت حينها، وأنا واحد من منسوبي التعليم أعتقد أنه الاحتفال بالقضاء على الأمية، واستئصالها من جميع الفئات، وفي جميع المناطق، في المدن، والقرى، والهجر، والمراكز، إلاّ أننا تفاجأنا بخلاف ذلك، وكانت المفاجأة الثانية وردت ضمنياً في (أمر التثبيت) هذه الأيام، حينما أشير إلى بعض لوائحه المقرّة قبل (أربعين عاماً)، وبطبيعة الحال، قبل هذا التاريخ كان التعليم عندنا عبارة عن محو أمية، ولم يكن نوعياً، أو ذا صبغة تخصصيه مثل ما هو عليه الآن، لكن هذا المصطلح (محو أمية) قد لا يكون مقبولاً عند البعض حينذاك، شأنه شأن (برامج المعاقين) التي قوبلت في بداياتها، وعن جهل، بشيء من الامتعاض عند البعض. لا يزال السؤال قائماً في الذهن، أليست العقود الأربعة الماضية كافية أن نطوي صفحات هذا البرنامج، بأهدافه، ولوائحه، ومقرراته إلى استحداث برامج أخرى تعالج نوعاً آخر من الأمية لدى بعض الفئات لدينا ؟
يبدو أنّ بعض (البنود المالية واللوائح) توضع لحل مشكلة طارئة، أو وقتية، تنسى مع مرور الزمن، أو نحاول نسيانها، ونوظّفها اجتهاداً، أو قياساً - إن جاز لغير الأصوليين ذلك - تحت أي مستجد، أو طارئ، أو طائف من الطوائف، بصرف النظر عن تقارب الأهداف أو بعدها، الأهم (ألاّ تقفل الأبواب والموارد)، حتى أنه في السنوات الأخيرة، وحينما عزّ وصعب على المدارس استقطاب الأميين بالطرق التقليدية في (البنين) أسندنا المهمة إلى المعلمين الذين ضاقت بهم السبل، وهم يبحثون عن منافذ الوظائف، فانطلقوا إلى مظان وجودهم، في الصحاري، والكهوف، والجبال، ومن ظفر بعدد محدد كان نصيبه التعاقد، ومن رضي بالقعود لم يجد سوى شبح البطالة، وكانت المرأة ستسير على هذا المنوال لو لم تجد هذه الالتفاتة الحانية.
لا يتبادر إلى أذهاننا في يوم من الأيام، وفي أي مرحلة من المراحل أننا سنستغني بشكل دائم عن بنود مؤقتة، أو طارئة لحل الأزمات والكوارث لا قدّر الله، فتقلُّبات الحياة، وتجدُّد الظروف تحتم ذلك، الأهم أن نجعل مصلحة مستقبل الوطن والمواطن نصب أعيننا.
dr_alawees@hotmail.com