قد تشكّل الشركات الرقمية القائمة اليوم على أساس شبكات التواصل والحوسبة السحابية الأهداف الأكثر احتمالاً للإساءات بين الدول التي قد تتصاعد وتيرتها لتتحوّل إلى نزاعاتٍ دولية. وقريباً، سيلجأ المزيد من الشركات إلى الحكومات للتحصّن من الهجمات عبر الإنترنت على الصعيد العالمي. كما ستتحوّل المخاطر القانونية والدبلوماسية وحتى التهديدات شبه العسكرية إلى عملة موحّدة للتجارة الرقمية في أنحاء العالم. وعليه، سيكون من الأفضل أن تستعدّ الشركات العالمية عبر شبكات الإنترنت لهذه المسألة وبسرعة.
وفي هذا الإطار، نذكر على سبيل المثال شبكة ألعاب «بلايستيشن» (PlayStation) من «سوني» (Sony) التي تم اختراقها الشهر الماضي، ما شكّل إحراجاً كبيراً وربما كلفة أكبر، بحيث تعرضت المعلومات الشخصية التي تعود إلى ملايين المستخدمين لإمكانية الانكشاف، وربما سُرق عدد من بطاقات الاعتماد؛ ومع ذلك، فإنّ «سوني» لا تزال تدعي بأنّ البيانات كانت مشفّرة.
ولغاية الآن، لا تزال هوية المتسلّل (أو المتسللين) مجهولة. ولكن، ما الذي قد تفعله «سوني» إذا ما اكتشفت أنّ الهجمات هي متأتية عن دول ترفض مساعدتها في تحديد هوية المعتدين؟ هل ستلجأ إلى فرض تطبيق القانون أم المساعدة الدبلوماسية من اليابان والولايات المتحدة؟ هل بإمكان الشبكات العالمية أن تحمي نفسها من دون مساعدة الدولة؟
والمسألة الأكثر خطورةً بعد تتمثل في اتهام كوريا الجنوبية مؤخراً كوريا الشمالية بشنّ هجمات عبر شبكة الإنترنت على «نونغيوب» (Nonghyup)، أحد أهم مصارف البلاد. وفي حين تنفي كوريا الشمالية بقوّة تورطها في مسألة مماثلة، إلا أنه لا يمكننا التغاضي عن سمعة بيونغ يانغ التي اكتسبتها جراء تسببها بأزمات مدمّرة.
ومن المحتمل أن تكون هذه الهجمات الإلكترونية مُستوحاة من التوقف الذي عانت منه مؤخراً البنية التحتية في سحابة آمازون، حيث أُغلقَت افتراضياً سجلات العديد من الشركات على غرار «ريديت» (Reddit)، و»فورسكوير» (Foursquare)، و»كورا» (Quora)، مع تكبّد «أمازون ويب سرفيسيز» (Amazon Web Services) العناء من أجل معرفة أصول المشكلة. وفي نهاية المطاف، تبيّن أنّ سبب الإقفال هو خطأ بشري. وعليه، عادت الشركات مجدداً لتقديم الخدمات. ولكنّ السؤال الذي لا يزال عالقاً في هذا الصدد: ماذا لو أنّ المصدر الفعلي لأزمة «آمازون» لم يكن خطأً بشرياً إنما اعتداءً؟
ولنفترض أنّ «آب ستور» التابع لشركة «أبل» (App Store) قد قدّم عدداً من التطبيقات التي تسيء إلى المجموعات الوطنية في الصين وإيران وروسيا على سبيل المثال، ولنفترض بأنّ أعضاءً من هذه المجموعات كانوا قادرين على تخريب عمليات تحميل «آب ستور». أو لنفترض بأنّ الجهود التي تبذلها «مايكروسوفت» (Microsoft) من أجل مكافحة قرصنة البرمجيات في آسيا قد أدت إلى الهجمات على تصحيحات البرمجيات والخدمات السحابية لدى «مايكروسوفت» في أنحاء العالم.
وفي هذا الإطار، قد تكون قدرة الشركات مثال «مايكروسوفت» أو «أبل» على الاستجابة محدودة، كما أنّ هذه الأخيرة قد تحتاج إلى المساعدة. وإذا كان ردّ الصين على أعمال التخريب التي قام بها «قراصنة وطنيون» في أوروبا اقتصر على لا مبالاة كبيرة، ماذا بإمكان بروكسل فعله؟ أو الولايات المتحدة؟ الحقيقة أنه ما من إجابات جيدة في هذا الخصوص. فالسعي إلى التقليل من أهمية التصرفات السيئة قد يتسبب بالمزيد من الأضرار، كما أن ردود الفعل الحماسية أو الذكية قد لا تتسبب سوى بالتصعيد. ولكنّ الواقع الذي لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال هو أن الهجمات التي تطال الشبكات الرقمية في دول أخرى تستدعي رداً من الحكومة المعنية، حيث إنّ أياً من شركات «آمازون» أو «تاتا» (Tata) أو «سوني» غير قادرة على التعامل مع هذه التهديدات بمفردها. وقد لا يكون العملاء في يومنا هذا أفضل أصدقاء الشركات الرقمية إنما حكوماتها. وهذا الأمر يسبب لي التوتر.
(*) مايكل شراغ هو باحث زميل في مركز الأعمال الرقمية التابع لكلية «سلون» (Sloan) في معهد ماساتوشتس للتكنولوجيا، ومؤلف «لعبة جدية» (Serious Play) وكتاب «ما بعد الأفكار» (Getting Beyond Ideas) المرتقب صدوره في الأسواق في وقت قريب.