كتب - عبد العزيز المتعب
الموت حق وهذه سنة الله في خلقه، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت} (35) سورة الأنبياء، أسأل الله جلت قدرته أن يتغمد شيخ الأدب والفكر والشعر عبدالله بن محمد بن خميس بواسع رحمته ومغفرته.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
ولأن فاجعة رحيله ألقت بظلالها على كل منتمٍ في ميوله وذائقته وموهبته للأدب الشعبي السعودي لما له - رحمه الله - من فضل ويد طولى في الدفاع عن الشعر الشعبي يوم تكالبت الأصوات على هذا الأدب الشعبي بمجمله قبل سنوات طويلة في وسائل الإعلام، فإن له - رحمه الله - دين ملقى على عاتق كل منتمٍ أصيل في انتمائه لهذا الأدب الشعبي، فقد كان بالإضافة لما حباه الله من منزلة في العلم والفكر والأدب وبرغم تنوع جهوده المعرفية المتنوعة في التأليف لمراجع الكتب قد أعطى من سنوات عمره الكثير في التعريف بقصائد الوطن وشعراء المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وتوثيق ذلك في كتابه: (أهازيج الحرب أو شعر العرضة) حيث قصائد العوني، وفهيد بن دحيم، وابن صفيان وغيرهم رحمهم الله. وقال في رده على الدكتور البشبيشي مدافعاً عن الأدب الشعبي: (إنك حكمت على أدبنا الشعبي حكمك هذا ولم تتصوره، والقاعدة تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فهل تصورت يا دكتور أن الأدب الشعبي أو على الأخص الشعر الشعبي - وهو ما يسمى بالنبطي - في هذه البلاد يمايز الآداب الشعبية في الأمم الأخرى بل في البلدان العربية الأخرى. وهل تصورت أنه لولا ما حفظه هذا الأدب الشعبي على هذه البلاد طيلة سبعة قرون مضت ساد فيها الجهل واستبدت بها الأمية وانقطعت انقطاعاً كلياً عن سواها.. لولا هذا الأدب لضاع تاريخ وانطمست معالم واختلطت أنساب وفقدت الأمة ما يربطها بماضيها ويصلها بذويها(1).
ومما لا ينسى له من فضل في التوجيه السديد في تعاطي النقد وآليته كما يجب قوله - رحمه الله -: (هناك حقيقة يجب أن تكون معلومة للجميع وهي أنه ليس دائماً أن يكون الناقد أعلم من المنقود ولا أمكن منه في فنه أو غيره بل على العكس، ولكن هذا لا يعني سكوت الناقد عما يعلم أنه حق فلا يبرزه، ولا يعني تأثر المنقود من لفت نظره وتذكيره فالذي لا يتأتى عليه النقد لم يوجد بعد ولن يوجد وما دام هذه حقيقة لا غبار عليها فيجب أن لا يضيق صدر المنقود بها من أي وعاء خرجت ومن أي إنسان وجهت، بل يجب أن يكون المنقود على مستوى من الفضل والعقل يسمو به عن أن يتأثر من النقد حتى ولو كان من عدو، ألم تر إلى الحكيم كيف يقول:
عداي لهم فضل علي ومنة
فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فأجتنبتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وكان - رحمه الله - علم في رأسه نار في الوطنية الحقة في كل صورها الناصعة، وما هذه الحربية - قصيدة العرضة - التالية من شعره إلا غيض من فيض في بحر الشواهد وتوثيق الأدلة - رحمه الله -:
سلام يا دارٍ تربع في مفيض الوصيل
نخوة بني مقرن هل العادات تعزى لها
دار الشرف والمرجله والمجد عز النزيل
لاجا بوادر قالةٍ فانشد عن رجالها
يا دار قولي وين صاف الما وهدب النخيل
اللي تعطف شرد الغزلان بظلالها
وين المغاني والمباني والنسيم العليل
وين الرجال اللي عرفنا تحتمي جالها
جدواي لي مني مررت الدار دمعي يسيل
وأقول مما في ضميري آه عزالها
حلفت بالله يا بلادي ما نبي بك بديل
لو كان دارٍ يجتنى الياقوت بسهالها
يالله ياللي لا عطا مهوب مده قليل
طالبك يا منزل بلاها تلطف بحالها
عساك يا وادي حنيفه كل يومٍ تسيل
تحيي بلادٍ جدد الإسلام بقذالها (2)
(1) من جهاد قلم في النقد الجزء الأول: عبدالله بن محمد بن خميس.
(2) أهازيج الحرب أو شعر العرضة: عبدالله بن محمد بن خميس.