يوصي أطباء الصحة النفسية مُراجِعيهم بالصراخ لإخراج شحنات الألم الكامنة كنوع من أنواع العلاج؛ أحد المطاعم الأجنبية عمد إلى استغلال فلسفة «تفريغ الشحنات» وسخرها لجلب مزيد من الزبائن حين أتاح لمرتاديه تحطيم الصحون بعد تناول ما فيها، مساهمة منه في إخراج شحنات الغضب الكامنة من نفوس مرتاديه.
في السعودية استكثر بعض التجار على المستهلك المسكين صرخات الألم الناتجة عن فُحش الأسعار التي قضت على جُل دخله، فحملته الديون، والأمراض العصبية!؛ واتهموا الإعلام بالمبالغة والتجني!. لم يعد للمستهلك السعودي إلا الله ثم الإعلام المتعاطف مع قضيته العادلة؛ وزارة التجارة تُعنى بخدمة التجار، لا المستهلكين؛ وهي لم تنجح حتى الآن في لجم شَرَه (بعض) التجار الجشعين، وضبط الأسعار المنفلتة؛ وكيل وزارة التجارة المساعد لشؤون المستهلك صالح الخليل، ذكر في ورقة عمل ألقيت نيابة عنه في منتدى جدة التجاري، «إن السوق المحلي يتميز بوفرة الخيارات المتعددة للأصناف من السلعة الواحدة ولذا يتطلب من المستهلك أن يبادر إلى الاختيار للحصول على الجودة والسعر المناسب». الأستاذ الخليل ربما تناسى أن كثيراً من السلع الغذائية البديلة تخضع لاحتكار تاجر واحد ما يجعله قادرا على التحكم في أسعارها، ونسي أيضا أن فلسفة التسعير في السوق السعودية تقوم على مُحاكاة أسعار السلع البديلة، لا تكلفة الاستيراد، أو التصنيع!. الأستاذ الخليل انشغل، عن إلقاء ورقته في المنتدى، باجتماع «يخص ضبط سوق الأسمنت المنفلت»، كما ذكرت «الوطن» السعودية!!؛ (السلع البديلة) لم تَحُل دون ظهور أزمة الإسمنت، والأزمات الأخرى التي يُعتقد أن لبعض التجار علاقة مباشرة بها.
شكوى (بعض) التجار من الإعلام النزيه جانبها الصواب؛ فالإعلام هو مرآة الأمة، والمُستأمن على حقوق المجتمع، وهو الشريك الرئيس في جميع قضايانا الوطنية؛ والداعم الأول لمسيرة رجال المال والأعمال!. الإعلام لا يمكن أن يتجنى على التجار باختلاق القصص الكاذبة، وتأليب الرأي العام، أو الجهات الرسمية، ومن حق التاجر المتضرر أن يقاضي من يشاء من الصحف والإعلاميين، متى شعر بالظلم والتجني.
أختلف مع من يعتقد بأن «التجار يمشون بجوار الحائط درءا للمشكلات» وسبب الاختلاف يكمن في أن كثيرا من التجار تعودوا المشي فوق الحائط بخفة محترفي السرك، حتى عظمت هاماتهم، وتضاعفت أرباحهم على حساب المستهلكين!؛ قول تجار (المنتدى) بأن «أرباح كثير من السلع لا تتجاوز 1% فقط» لا يمكن القبول به أو تصديقه؛ وقد قيل: «حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له» ونحمد الله الذي أبقى على عقولنا بعد أن استنفذ بعض التجار ما في جيوبنا من مال!؛ لو تدنى هامش الربح في تجارة المواد الغذائية، والسلع الأخرى، إلى 1 في المائة لخرج منها جميع التجار، وفي مقدمتهم، أصحاب «البيوت التجارية»؛ فهامش الربح الذي لا يتجاوز 1 في المائة لا يمكن أن يغطي كلفة الهدر والتلف في نقل وتخزين البضائع!. ربح الهللات لم يعد موجودا في قاموس التجارة السعودية، والله المستعان. حماية المستهلك رصدت ارتفاعات خيالية في أسعار السلع منذ صدور أوامر الدعم الملكية، حيث أشارت الجمعية إلى أن هامش الربح في كثير من السلع الاستهلاكية ارتفع إلى أكثر من 200 في المائة، متجاوزا 15 في المائة!؛ تُرى من المسؤول عن ذلك، الصحافة أم التجار، أم المستهلكين، الحلقة الأضعف في المجتمع!.
التُجار كباقي البشر، فيهم التقي الورع، وهم كثر ولله الحمد، ومنهم الجشعون، الذين أضروا بالمجتمع، وتسببوا في موجات الغلاء، وافتعال الأزمات لأهداف ربحية صرفة. من المعيب أن يمارس بعض التجار الدور السلطوي على الإعلام، أو أن يتهمونه بالتجني لوقوفه إلى جانب المستهلكين في مواجهة جشع المغالين في الأسعار، والمستهترين بالمصالح الوطنية. روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله وبر وصدق». (صحيح ابن ماجه).
f.albuainain@hotmail.com