ها هو جبل آخر من جبال جزيرتنا العربية الشامخة السامقة الشاهقة يلملم أشياءه الخاصة ويرحل إلى عالم البقاء الأزلي حيث لا خلود زمنياً إلا خلود الموت بانتظار يوم الحساب وما وجود الكائنات والأشياء على سطح البسيطة إلا مرور عابر حيث لا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام، أقول نعم لقد رحل أحد جبالنا ململماً أشياءه الخاصة ليترك لنا ثروة كبرى لا تقدر بثمن وأعني بأشياء الجبل (أشجاره وأحجاره وطيوره وذئابه ويمائمه الوديعة) أي أخذ ما على السطح وترك لنا ما في باطن الجبل من معادن وثروات وجحائم وبراكين وآبار لتمتح منها الأجيال المتعاقبة من أبناء هذا الوطن العزيز ما شاءت من المعرفة والإبداع والتوثيق والمراجع في الأدب والتاريخ والتراث، بل لا نبالغ إذا قلنا إن ابن خميس كان منهلاً غزيراً رقراقاً استفاد منه كل جيلي وما قبله من سائر بلداننا العربية وذلك لأن المرحوم كان حريصاً على أمته ولغتها وتاريخها كما هو حريص على تراث شعبه الشفاهي فقدمه بصورة أصيلة مغايرة تنسجم مع ريادته التنويرية في كل مناحي الحياة بل كان بمثابة الصخرة الكأداء التي تتكسر عليها نصال المدعين والمتكبرين والمتعالين على تراث أمتهم.. وابن خميس وإن كان متعصباً للأصالة إلا أنه ضد الحداثة الرثة والمدعاة بل والشكلية كلياً بل هو مع التقدم الحقيقي المتوازي العقلاني اللا (منبّت) مع جذوره ولعلي أذكر هنا بيتاً أحفظه له منذ الصغر يقول فيه:
لهفي على الإسلام من متزمت
جعل الديانة ذلة وجمودا
أومن شباب جاءه متأخراً
بخلاعة يدعونها تجديدا
كذلك أذكر بيتاً آخر له يحث على التقدم وصراع الحياة وعدم الركون إلى المتاح فقط إذ يقول: رحمه الله:
ليس الحياة كما توهم جاهل
عيش الكفاف ومستوى محدودا
إن الحياة هي الصراع فكن بها
أسداً يصارع أذؤباً وأسودا
ألا رحم الله عملاقنا الراحل عبد الله بن خميس وأسكنه فسيح جناته.