حلا، تدرك أنها حين تستيقظ صباحاً، فإن أول ما تفعله قبل أن تذهب لمدرستها هو أن تصلي، وتداعب قططها، وتقبل أمها, ثم في طريقها للمدرسة، لا تحمل حلا همَّ الشارع المكتظ بالعربات، ولا تتوقع أن تصطدم عربتان في تنافس المرور، أو أن أحد سائقيها سيخرج رأسه من نافذة عربته، ليتطاول باللسان مع الآخر, ولا أن دقائق أو أكثر, يمكن فيها أن تتأخر عن طابور الصباح، لأن ساعة لا تكفي مسافة، بين البيت والمدرسة، ولا تحمل حلا هماً آخر عن عامل النظافة، الذي لا يكفي مرتبه لأن يسدد خانات احتياجاته هنا، من مأكل وملبس وطوارئ شخصية، ناهيك عن أم في بلاده تحتاج للدواء،ودار يحتاج للترميم، إن لم يكن للبناء، وزوجة, وأبناء لا تكفيهم مئات من الريالات أقل من عدد أصابع الكف الواحدة، له أن يستلمها في نهاية كل شهر، فلا يحصل له أن يفرح بها، إلا بعد أن يحن عليه «كفيله»، متى تدر عواطفه فيفتح جيبه ويفعل، لأن حلا لا تعلم عن ذلك شيئاً، غير أنها تعرف كيف تفكر في ملابسه الرثة، ووجهه الشاحب، وظهره المنحني في صهد الشمس، ومقشته التي غدت عصاه التي يتوكأ عليها،.. وحلا لا تدري بأن هذه العربات الكثيرة،التي استنزفت ميزانية ضخمة تنافس ميزانية دول، تكفل أنفاساً من البشر، ووقوداً يعمر مدناً على الأرض، بأنها محور للمفارقة بين حقوق نوعين من البشر،في أيهما أحق بالجلوس خلف مقودها، أو كليهما..، وحلا في النهاية لا تدري لماذا معلمتها بالأمس كانت غاضبة, وقذفت دفاترها وصويحباتها بقوة على طاولة الفصل، وهي تزعق في وجوههن، لأنها كانت على خلاف مع زوجها، على مبلغ من المال تعود ملكيته لها، وشاء أن يستفيد منه..، ولأنها عجزت عن أن تجعله مطيعاً لها, كما يفعل زوج صديقتها, وفي النهاية، فإن حلا بنت الثامنة، لم تستوعب كل الأخبار التي تحملها أعمدة الصحف, ويرددها مذيعو الإعلام, عن القطة التي لن تتحول كالفأرة لمعامل الاختبار، عند التجريب لأن يستأنس الإنسان خصائصها للإنسان..
لكن حلا فعلت شيئاً آخر، حين أيقنت بأن الإنسان كالفأرة، التي اختبأت في دولاب الحارس، قضمت ملابسه، بعد أن نفذت من ثقب بابه، ثم ولت هاربة، بعد أن عاثت فساداً..،حلا لم تنم ليلتها، ومنذها، أصبحت تتخوف أن يتسلل أحدهما، بعد أن يثقب باب دارها، إنسان أو فأر،فتفقد ثوبها الأثير، وأمانها.