تدنت النظرة إلى العلوم الإنسانية خلال السنوات الأخيرة، وللجميع انطباع وأحكام بأن خريجي الكليات المنتسبة إليها وعلى الأخص (كلية الآداب) هم خريجو «بطالة» إذ لا وظائف في انتظارهم، وسوق العمل ليس بحاجة إليهم، ومن المؤسف أن هؤلاء الخريجين يواجهون أيضاً بشبكة جامدة من المعوقات الوظيفية إذا ما جاهدوا للحصول على وظيفة.
«ملف الآداب» كبير، ولا جدال في أن طلاب الآداب يشكلون المصدر الرئيسي لقادة الرأي والفكر والسياسة على الأغلب في أي مجتمع، فالتخصصات التي تحويها هذه الكلية هي التي تمد المجتمع بالمعرفة المنظمة، ولا ينكر أي منصف قيمة تخصص مثل: التاريخ والجغرافيا واللغة العربية وحتى اللغة الإنجليزية، والتخصصات الأخرى التي تحويها الكلية. وكان علماؤنا الذين شكلوا المحرك الحضاري الدافع لتقدم الأمة الإسلامية ضليعين بتاريخ ولغة أمتهم بالمقام الأول قبل أن يكونوا مفكرين ومجربين ومخترعين.
وإذا كان هناك من يطالب بتقليص قبول هذه الكلية للطلاب، وإغلاق أقسام منها، ويشتط البعض ليطالب بـ»إغلاق كلية الآداب» فهو ينظر نظرة سطحية غير متعمقة لكلية لها بعد تاريخي ومركز مرموق في كل جامعات العالم المتقدم «الغربي والشرقي» إذ تعد «الآداب» كلية أساسية، وهذا الرأي وإن كان يجادل فيه البعض ليحمل صحة ما، إلا أنه لا يجد دعماً بالأرقام، ويحضرني في هذا المقام مقالة (نشرت في أحد المجلات العالمية) ومنها أننا لا ننظر إلى الأرقام بشكل جيد، فالتدني في العلوم الإنسانية جاء في الصف الثاني للجامعات، وليس في الجامعات الرائدة، وعندما أقول الجامعات الرائدة فإني أعني بها تلك الجامعات التي استطاعت أن تحقق مراكز علمية عالية وسمعة علمية.
نهتم بتنمية وطننا، ودعم اقتصادنا، وتنويع صناعاتنا، ولكن ما نفتقده هو النظر بأهمية للتخصصات الإنسانية ومحاولة تطويرها حتى لا تظل كليات العلوم الإنسانية وعلى الأخص «كلية الآداب» معلقة بين السماء والأرض بخيط عنكبوت.