الأمير فيصل بن مشعل بن سعود نائب أمير منطقة القصيم يستعيد في كتبه ومؤلفاته التاريخ وينغمس بلغة ثقافة الرمل، كما هي رمال الغماس والغميس بالقصيم، بانسياب متدرج مع انحناءات النفود ذات الكثبان الهلالية والطولية في خبوب بريدة، يسترجع التاريخ ويعود حبًا وطواعية إلى تاريخ الملك سعود - يرحمه الله - كنوع من التوثيق والتسجيل عبر منهجية علمية تقوم على الحقائق والأرقام والتواريخ، وفي الحقيقة أن تاريخ الملك سعود هو تاريخ يحمل الشغف والإثارة؛ لأن فهم تلك المرحلة التاريخية هو الفهم الواسع لتاريخ الاستيطان والتوطين الحديث في بلادنا. الدكتور فيصل بن مشعل عندما يكتب عن تاريخ الملك سعود لا يندفع كثيرًا وبلسان (الوراقين) أي لا يسرح طويلاً خلف (الحنينية) وعاطفة الجد الملك أو زمن الناصرية وإن كان هذا مبررًا ومقبولاً، بل يتبع المنهجية الأكاديمية في سرد الأحداث والأمانة العلمية في التوثيق وطرح الحقائق التي تتعلق بالتأسيس الحضاري والمدني لقطاعات الدولة، وبناء المؤسسات المهنية والتخطيطية والوزارات والهيئات وغيرها ومثالاً لذلك ما جاء في كتابه الأخير: (من رسائل الملك سعود بن عبدالعزيز الدعوية، الرياض 1432-2011م، تأليف الأمير فيصل بن مشعل): تأسيس وإنشاء وزارة المعارف، ورئاسة تعليم البنات، ووزارة الزراعة، ووزارة التجارة، ووزارة المواصلات، وجامعة الملك سعود، والجامعة الإسلامية، ومعهد الإدارة، ومعهد المعلمين، وجامعة البترول (جامعة الملك فهد) وكلية الملك عبدالعزيز الحربية، وكلية القيادة والأركان, ووقع على ميثاق تأسيس الجامعة العربية، وأصدر الأمر السامي بإعادة تنظيم مجلس الشورى، ووضع حجر الأساس لعمارة المسجد النبوي الشريف، وصدر المرسوم الملكي بإنشاء مجلس الوزراء برئاسة الأمير سعود ولي العهد، وتأسيس شركة الناقلات البحرية في جدة، والمجلس الأعلى للتخطيط.
وتأتي أهمية هذه الخطوات أنها جاءت في زمن مبكر من بناء الدولة وهي المرحلة الثانية للتأسيس، بعد أن تركزت المرحلة الأولى على التوحيد وكانت منصبة على الحروب والمعارك وتوطين البادية لتأتي المرحلة الثانية، وتركز على تطوير الدولة في إطار المؤسسات والبناء الإداري الداخلي والبناء السياسي الخارجي. وتمت تلك التغيرات في ظرف سياسي دولي دقيق جدًا في الخمسينات الميلادية والسبعينات الهجرية، وهي فترة حرجة سياسيًا؛ لأن العالم لتوه خارج من الحرب العالمية الثانية، والعالم العربي يشهد حركة تحررات من الاستعمار الغربي. في الوقت الذي كانت فيه بلادنا تسعى لبناء نفسها وهياكلها الإدارية والسياسية كانت بعض الدول العربية غارقة في بحر الاستعمار البريطاني والفرنسي. لذا تبرز أهمية ما يكتبه الأمير فيصل بن مشعل بأسلوب ممنهج وعلمي يقوم على تتبع التطورات وربطها بالتواريخ الهجرية والميلادية لمقاربة ما يحدث من بناء وتنامٍ في بلادنا، وتزامنه مع الظروف العالمية المحيطة بنا.