يشترك الإسلام مع كل الديانات والثقافات الأخرى في الدعوة إلى تحقيق القيم الإنسانية واقعاً باعتبارها مبادئ حضارية رئيسة في بناء التعاملات والعلاقات على مستوى الشعوب والأمم كـ(الحرية والعدالة والمساواة)، وبالذات العدالة، كونها الأبرز في الفعل الإنساني تجاه الآخر والأكثر.....
..... تأثيراً في كل مستويات تلك التعاملات والعلاقات . إلا أن هذه القيمة الإنسانية والفضيلة الكونية تتعرض لما يشبه التشويه بسبب طغيان العاطفة على مواقفنا، التي تتطلب حكماً وإنصافاً في تقويمنا لأحداث ترتبط بحياتنا القائمة أو ديننا الكريم، وهذا يتضح بشكل جلي في مسألة العلاقة مع الغرب، ولعل أبرز مثال يحضر في المشهد العالمي هو حادثة مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على يد القوات الأميركية في باكستان.
تلك العاطفة العمياء بدت في كتابات إلكترونية وتحليلات سياسية، فضلاً عن مشاعر المشاهدين لبعض القنوات العربية، فلقد تابعت شريط عرض رسائل المشاهدين على شاشة إحدى القنوات الإخبارية، فتعجبت من نسيان إرهاب بن لادن في لحظة استحضار الغرب العدو الصليبي!! لدرجة إطلاق الألقاب والتزكية في وصف أسامة بن لادن كشهيد الإسلام وشيخ المجاهدين وأمير الأمة وغير ذلك، ما يؤكد غيبة العقل الإسلامي في محاولة وعي واقعنا في فهم الإسلام وتطبيقات تشريعاته. هذا الفهم الذي يتوجب فيه محاكمة حقيقية لأفعال من يخنطف الدين ويمارس الإرهاب ويبرر القتل، فيتسبب في زعزعة أوطان المسلمين وإشاعة الفتن المهلكة، واستباحة الدماء المعصومة والمستأمنة بحجة محاربة الغرب الكافر الصليبي الذي احتل بلاد المسلمين!
لا يختلف اثنان على أن الغرب يحتل أراضي إسلامية وعربية، كما يدعم إسرائيل ويكرّس احتلالها الخبيث لأرض فلسطين، فضلاً عن حملات التشويه الإعلامية التي يوجهها ضد إسلامنا ومقدساتنا ورموز أمتنا، ولكن هذا لا يبرر أن ننساق وراء الفهم الأعوج لطبيعة هذه العلاقة المتأزمة مع الغرب من خلال ركوب منطق إرهاب القاعدة، فنتعاطف مع هذا التنظيم الإرهابي وقادته فقط نكاية بالغرب، فننسى العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، ومنه قيمة (العدالة) التي تشكل واحدة من أبرز القيم العظيمة التي ارتبطت بتاريخ الإسلام في الحكم على الأشياء وتقرير الحقوق للآخرين قبل المسلمين، فإن كنا نعارض السياسة الغربية وأعمالها العسكرية ودوافعها الاستعمارية، فإننا قبل ذلك نعارض تنظيم القاعدة وكل جماعة إسلامية تستخدم العنف وتمارس الإرهاب مهما كان المبرر لأن الإسلام لا يبرر القتل والجرائم في حق الأبرياء، إنما يأخذ الأمور بموازين عادلة ورسالته دائماً نقية، فعذر الغرب أنه يسعى لمصالحه، ولكن ما عذر من يختطف قيم التسامح والمحبة والسلام، التي حثّ عليها ديننا ويحيل حياتنا إلى دم وقتل وتشويه للدعوة، ثم يريد أن نتعاطف معه نكاية بالغرب، ما يعني أن يريدنا أن نمارس الميكيافلية التي نصم الغرب بها، وهذا ليس من ديننا الذي يسمو بمبادئه الكونية وقيمه الربانية.
kanaan999@hotmail.com