لو قرأنا تاريخ اليابان لأدركنا دور التعليم والتدريب الفني والمهني في خلق قاعدة أساسية للنمو والتطور الاقتصادي. فاليابان لم تبدأ، كما تعودنا، مسيرة تنميتها بوضع خطط اقتصادية شاملة، بل اكتفت بوضع خطة تعليمية وعملت على تطبيقها طوال خمسين عاماً. وقد أثمرت فلسفتها التي ارتكزت على أن التعليم والتدريب الفني والمهني سيخلقان المواطن الكفؤ والقادر على إدارة دفة الاقتصاد متسلحاً بسلاح العلم والمعرفة والخبرة. كانت اليابان، بفلسفتها التعليمية والتدريبية، تطور فكرة اليد الخفية التي أشار إليها آدم سميث في كتابه (ثروة الأمم) وتجسدها على أرض الواقع ولكن من منظور مختلف. ولعل أهم ما يميز المنظور الياباني أنه انبعث من اليابان نفسها مستلهماً من تكوينه مميزات التفرد، فالإنسان الياباني يعشق العمل ويحب إتقانه.
ولهذا فإن العمل على رفع كفاءة وقدرة هذا الإنسان سيؤدي إلى زيادة إنتاجيته وإحساسه بالمسؤولية، وعندها ينطلق الاقتصاد إلى الأمام، وهذا ما حصل في اليابان بالفعل. خطة يابانية أصيلة وإصرار على النجاح والوصول إليه، نموذج يجسد قدوة حسنة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وعلى ذكر آدم سميث وكتاب ثروة الأمم، أود القول إن هذا المفكر هو الذي أرسى مبادئ علم الاقتصاد، وله عبارات قيمة ما زالت تنير طريق الاقتصاديين وهم يبحثون في قضايا الاقتصاد المعاصرة. ومن أقواله المأثورة، قوله: (إن حصولنا على الغذاء ليس كرماً من الجزار والخباز ولكنه بسبب احترامهما لمصالحهما الخاصة).
قال آدم سميث هذا القول فاعتبر أشهر عبارة في تاريخ علم الاقتصاد. وتأسيساً على ذلك، يمكن القول إن تنمية المجتمع تعتمد على إنتاجية الفرد التي لا تتحقق إلا باحترام العمل. وعندما يرجع الاقتصاديون سبب تفاوت دخول الأفراد في المجتمع إلى درجة احترام الفرد للعمل ومقدار الجهد الذي يبذله، فإنهم بذلك الإسناد ينفون تفاوت القدرات الذاتية بين الأفراد. وهو رأي قد لا يتفق معه غيرهم، ولكنه، بالتأكيد، يمثل قاعدة توفر للجادين نقطة البداية للانطلاق في زمن لا يرحم من يتوقف.