رحلتا معاً، لم يفصل بينهما إلا ثلاثة أيام فقط، كنا نستقبل بها المعزين في وفاة جدتي لأمي «أم منير» حتى فجعنا بخبر وفاة جدتي لأبي «أم سمير». أكثر ما يحضرني هو صوتهما المتقارب في الدعاء لكل من حولهما «اللهم أحفظهم لي ولا تحرمني من جمعتهم حولي..»، وها نحن اليوم نبكيهما في أسبوع الحزن لكل من عرفهما وأصاب قلبه بعض من حنانهما. اليوم بدأت أسترجع شريط الذكريات عندما كنت في الجامعة في فلسطين بعيداً عن أمي وأبي وإخوتي الذين يعيشون هنا في المملكة فكانتا تجتمعان في غرفتي وتنهالان عليَّ بالنصائح حول كيفية ترتيب الغرفة والمحافظة على صحتي وضرورة اجتهادي في دراستي لكي لا يذهب تعب والدي هباءً منثوراً. أتذكر أيضاً حين تعرضت لزكام شديد وكيف سهرتا على راحتي لثلاثة أيام متواصلة، فكانت جدتي حلمية «أم سمير» -رحمها الله- تستند على عصاها ثم تسندني حتى أخرج خارج الغرفة لأحصل على القليل من الشمس لأنها مفيدة لصحتي ثم تقسم الليمونة نصفين وترغمني على أكلها بقشرها كما هي، في حين كانت جدتي منيرة «أم منير» -رحمها الله- تجلس في الغرفة فتنظفها وتعد لي طبقاً من شوربة الخضار المفضلة لديّ، ومثل تلك الذكريات الكثيرة التي انطبعت في ذاكرتي إلى الأبد. فإلى جنة الخلد يا من أديتما دوركما في الأمومة والرعاية التي شملت أولادكما ولم تتركا أحفادكما.
لن ننساكما ولن ننسى تلك النصائح التي تضيء لنا طريقنا في هذه الحياة.. عندما تكتسي قلوبنا بنور الإيمان وتطمئن روحنا لنيل ما عند الله {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (96) سورة النحل.
يبقى رضانا بقضاء الله وقدره هو ما يخفف علينا مصيبتنا.. اللهم أبدلهما داراً خيراً من دارهما وأهلاً خيراً من أهلهما وأدخلهما الجنة وأعذهما من عذاب القبر ومن عذاب النار، اللهم آنس وحشتهما، اللهم متعهما بلذة النظر إلى وجهك الكريم واجعلهما في الفردوس الأعلى من الجنة.. آمين.