قبل عقدين من الزمان، وقبل ظهور الشبكة العالمية للاتصال (cyberspace)، كان المختصون في مجال الإعلام والاتصالات يطلقون على العالم مصطلح القرية الصغيرة، بفضل ما تنقله وكالات الأنباء من أحداث وأخبار حول العالم من مراسليها كافة، وفي قلب الأحداث، وبعد مجيء الشبكة العنكبوتية، فما هو المصطلح الذي سوف يطلق على هذا العالم الذي أصبح بمقدور الفرد الواحد، وليس المؤسسة الواحدة، استقبال وإرسال كمية هائلة من المعلومات في دقائق معدودة وتخزينها، ونقلها بسرعة، ومن ثم إمكانية إعادة بثها عبر محطات التلفزة والإذاعة، ولاسيما إذا كانت هذه المادة مستخدمة بالصوت والصورة، وبأجهزة صغيرة من آلات الهاتف الجوال، أو الكاميرا الصغيرة.
وهذه النقلة الحديثة في الاتصالات ووسائطها الإلكترونية، بدأ الجميع يلمس تأثيرها في الجماعات والأفراد، بل والأمم، وأصبحت بعض الدول والملل والنحل توظف هذه الوسائل في سبيل تحقيق أهدافها داخل مجتمعاتها، أو خارج المجتمعات، إما لترويج الأفكار والمعتقدات، والتسويق لها، أو للدفاع وتحسين الصورة الذهنية لدى المتلقين.
والفجوة المعرفية في عالمنا الإسلامي ما زالت عميقة جداً، وخلف الركب تقنياً، أو استخداماً لهذه التقنية، فلا يوجد تطوير لهذه التقنيات عربياً أو إسلامياً، وإنما يأتي التوظيف لها فقط، وفي نطاق ضيق ومحدود، قياساً بمن يستخدمون التقنية الحديثة في العالم، وينتجونها أصلاً.
ونحن جزء من عالمنا الإسلامي والعربي، لدينا إحصائياً عدد كبير من المستخدمين للشبكة العنكبوتية والإنترنت، ولكن الشواهد تقول: إننا ما زلنا متأخرين ومتلقين ولسنا مؤثرين، والدليل أن الأفكار الضالة التي امتدت إلينا في مدة قصيرة تم اختراق مجتمعنا وشبابنا عن طريق الإنترنت بنسبة كثيرة وكبيرة جداً جداً، تفوق ما قذفت به مكتبات الشيوعيين وإذاعاتهم قبل عدة عقود، وكان تأثيرها أشد ضراوة ووطأة على مجتمعاتنا، وصار ما صار من أحداث مؤسفة نتيجة ما يحمله بعض الشباب من فكر خارجي لا يتفق وما عليه علماؤنا ومشايخنا في هذه البلاد المباركة. وهذه الندوة التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد يؤمل منها الكثير، لاسيما أنها أول ملتقى يجمع من يقومون على المواقع الدعوية في بلادنا. ولابد من توحيد الجهود الفردية والمؤسسية على حد سواء لمواجهة أخطار الغلو والجفاء على حد سواء، وحماية مجتمعاتنا من الأفكار الدخيلة على ديننا، والمخالفة عنهم الوسطية والاعتدال، وأن تفاعل هذه المواقع مع دعوة الوزارة لهو المؤشر الأول - بإذن الله - لنجاح الندوة وتحقيق أهدافها، للحفاظ على شبابنا مما يراد له من شراء الناس، والعمل على كبح ما يرغبون ويسعون إليها من التأثير السلبي عليهم. والمجتمعات الإسلامية والعالمية بوجه عام تنتظر منا أن نقدم المهم، وليس أن نستقبل في عقر دارنا أفكاراً دخيلة.
alomari1420@yahoo.com