تناقلت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية صور لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولقد كانت صوراً معبرة للغاية وأكدت مقولة إن الصورة تغني عن ألف كلمة. كانت نظرات أوباما المحدقة في نتنياهو مليئة بالإحباط والسخط وعدم الرضى، وفي المقابل كانت نظرات
نتنياهو هي مزيج من عدم المبالاة والتحدي، كان لقاءً غير اعتيادي بين رئيس أمريكي مميز في كل شيء ورئيس وزراء إسرائيلي معروف عنه تعنته واعتزازه بآرائه اليمينية المتطرفة والتي أوصلته إلى المنصب الذي يتبوأه وكونه أيضا خبيراً في شئون الحياة السياسية الأمريكية حيث عاش وعمل رزحاً طويلاً من حياته الوظيفية. كان محور الحديث هو أهمية العودة إلى مفاوضات السلام في الشرق الأوسط في ظروف استثنائية أبرزها، تطورات متسارعة في منطقة الشرق الأوسط، مؤتمر اللجنة الأمريكية للشئون العامة «ايباك» أقوى المنظمات اليهودية الأمريكية على الإطلاق، توجه القيادة الفلسطينية لعرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الجمعية العامة للأمم في سبتمبر القادم، الانتخابات الأمريكية الرئاسية السنة المقبلة 2012م. بدأ الرئيس الأمريكي كمن يحاول أن يبيع الماء في حارة السقايين أو كما يقول المثل الأمريكي لمن يحاول أن يبيع الثلج للإسكيمو وهو يحاول إقناع نتنياهو بأهمية التفاوض مع الفلسطينيين لإقامة دولتهم الموعودة على حدود الرابع من يونيو 67 والتي أقرتها قرارات الأمم المتحدة وأشهرها القرار 242 ، وكلما كان أوباما يمعن في الحديث عن أهمية السلام لإسرائيل كان نتينياهو يستشيط حنقاً وغضباً بنظرات تخفي وراءها ثقة مطلقة بالنفس مردها بأنه كان يعول على مؤتمر اللجنة الأمريكية للشئون العامة «أيباك» لثني أوباما عما كان يردده من خطط للسلام. كانت ثقة نتينياهو في محلها، فاجتماعه مع أوباما كان الخميس بالبيت الأبيض وبالكاد لم يمض يومان عليه، وفي واشنطن وفي يوم الأحد الذي تلى اجتماعهما تراجع أوباما وأمام حشد منظمة أيباك عن خططه لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 67، بل ذكر المجتمعين أكثر من مرة بأن تصريحاته عن الدولة الفلسطينية خلال لقائه بنتينياهو قد أسيئ فهمها وبأن الحقائق على الأرض لا يمكن أن تعود بملف القضية الفلسطينية إلى حدود 67 والمعترف بها دولياً ومن قبل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. تغير دراماتيكي بين ليلة وضحاها، ولكنه تغيير مفهوم في عالم السياسة، فأوباما يطمح في فترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السنة المقبلة ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يثير غضب اللوبي اليهودي الأمريكي وهو رقم صعب في لعبة حسابات الانتخابات الأمريكية لا يمكن لأي سياسي أمريكي أن يتجاوزه. ومن نافلة القول بأن أوباما شدد خلال كلمته فمؤتمر أيباك بديمقراطية إسرائيل وبأن أمريكا سوف تضغط على حماس للاعتراف بإسرائيل وبالإفراج عن الجندي الإسرائيلي المأسور لديها جلعاد شاليط، تحدث كذلك عن التزام الولايات المتحدة الأمريكية التام بأمن إسرائيل. على كل حال فلقاء أوباما مع نتينياهو وحديثة لأقوى لوبي يهودي أمريكي والمتمثل في اللجنة الأمريكية للشئون العامة «أيباك» هو لا شك حدث سياسي هام ويمكن قراءته على أن أوباما صادق في توجهه لإحلال سلام عادل في منطقة الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأنه وبنظرته المستقبلية يرى أن السلام هو أولا وأخيرا من مصلحة إسرائيل وهو في ذلك كمن يحاول أن يقنع شخصاً يحاول الانتحار بأن هناك طرق أخرى لحل مشاكله. إسرائيل وكما هو معروف أنشئت بقرار أممي في أبريل عام 1948 منطلقاً من وعد بلفور عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في الشتات. قرار التقسيم أعطى لليهود 4.56% من فلسطين التاريخية 6.46% للعرب. ولقد صدر قرار التقسيم من الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي سبتمبر القادم سيكون الملف الفلسطيني قد مضى عليه أكثر من أربعة وستين عاماً وهو مازال يراوح مكانه. يقول الكثيرون بأن دعوة أوباما لنتنياهو للبدء بالتفاوض مع الفلسطينيين ليس إلا محاولة من أوباما للالتفاف على عرض الملف الفلسطيني على الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يؤكد كل المراقبون بأنه سيحصل على مباركة وموافقة الدول واعترافها بالدولة الفلسطينية بحدود الرابع من يونيو لعام 67 وهذا ما تخشاه إسرائيل، ولقد بدأت هذه الخشية تظهر للعيان من خلال الحراك السياسي المكثف داخل إسرائيل لمواجهة هذا السيناريو. ويؤكد خطاب أوباما لأيباك الهاجس الإسرائيلي حيث طمأن المشاركين في المؤتمر بأن أمريكا لن تسمح مطلقاً في عزل إسرائيل داخل الأمم المتحدة وحذر الفلسطينيين بأن لجوءهم إلى الأمم المتحدة لإعلان دولتهم لن ينجح وإذا نجح (حيث إن التصويت سيكون من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة لا من خلال مجلس الأمن حيث الفيتو)، فلن يكتب له النجاح. لقد سئم الجميع وكما قال أوباما نفسه من عدم إحلال السلام وهذه نقطة غاية في الجرأة من قبل أوباما لصالح القضية الفلسطينية في محفل يهودي. تجاوزها بدهاء حين أوضح ما قامت به أمريكا في الماضي القريب لنصرة إسرائيل في المحافل الدولية من انسحابها من اتفاقية ديربورن الإفريقية الجنوبية لمناهضة العنصرية إلى رفضها لتقرير القاضي اليهودي الجنوإفريقي أيضا جولدستون. فالحقيقة أن الجميع مل من هذه المفاوضات وأصبحت نكتة يتندر بها الجميع فمنذ مدريد 1990 وحتى الآن ما يقارب 22 سنة ولم يحدث اختراق حقيقي في المفاوضات يؤدي لإحلال سلام دائم في الشرق الأوسط من اتفاقية مدريد إلى أوسلوا مروراً بجهود الرئيس كلينتون المضنية والمكثفة في كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ويهودا باراك وانتهاء بخارطة الطريق ومحادثات وي ريفرز بين الرئيس عباس وأولمرت، محادثات بلغ عمرها 22 عاما لم تفضي لشئ، كل ذلك بسبب يتفق عليه الجميع وهو التعنت الإسرائيلي والمراوغة من استحقاقات السلام. غيرت خلالها منظمة التحرير الفلسطينية دستورها القاضي بالكفاح المسلح من أجل تحرير الأراضي المحتلة لطمأنة إسرائيل ودخلت معها في المفاوضات بدون طائل وبعد أن حدث الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس كانت تعلل إسرائيل في عدم جدوى المفاوضات كونها أنها لا ترغب في إبرام اتفاقيات لا يوافق عليها غالبية الفلسطينيين وعندما حدث اتفاق بين حماس وفتح تعللت إسرائيل هذه المرة بأن حماس منظمة إرهابية ولا يمكن أن تبرم اتفاق مع الفلسطينيين بسبب ذلك مع أن من يفاوضهم هي السلطة الفلسطينية والمدعومة عربياً ودولياً في جهودها السلمية وعملية إلحاق حماس بعملية السلام سيكون تحصيل حاصل لو رأت على الأرض مؤشرات إيجابية، علماً بأن حماس قد أعلنت بأنها تقبل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 67. قبل ذلك عزفت إسرائيل معزوفة لم يسبقها عليها أحد وهي أن على الفلسطينيين الاعتراف أولا بيهودية الدولة العبرية. مبررات لا تنتهي ولن تنتهي أبدا، ذلك بسبب أن فكر إسرائيل السياسي والأيدلوجي يرتكز على أن إسرائيل يجب أن تكون في حالة عداء مستمرة مع أعدائها ليتسنى لها البقاء، وإنه في حالة السلام سوف تتغير أيدلوجيات شعبها من شعب محارب إلى شعب يعيش حياة طبيعية كبقية شعوب الأرض وأن هذا التحول سيعجل بنهايتها. قد تكون هذه الأيدلوجية في وضع يمكن تسويقها في الماضي ولكن مع التطورات السياسية والإعلامية التي يشهدها العالم يجعلها كمن ولى عهدها. المفارقة هنا أن إسرائيل التي قامت على فكرة جمع الشتات في دولة ستواجه قريباً DIASPORA الشتات الفلسطيني.
لقد اتضح هذا للرئيس أوباما ذو الرؤى البعيدة المدى وحذر إسرائيل من قرب حدوثه، فهناك ملايين من الفلسطينيين في الشتات القريب والبعيد. الذين في الشتات القريب سوف يقومون بمسيرات نحو فلسطين وطنهم المسلوب وسوف تتناقلها كافة وسائل الإعلام العالمية المؤيدة لإسرائيل والمعارضة لها وستضع إسرائيل أمام واقع جديد لم تكن تتخيله أبداً. والفلسطينيون في الشتات الخارجي والذين يتواجدون في كل بقاع المعمورة والمسلحون بوسائل الإعلام الجديد من فيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها سوف يعرون إسرائيل أمام العالم. قد تنجح أمريكا في عدم عزل إسرائيل في أروقة الأمم المتحدة ولكنها قطعاً سوف تفشل في كسب تأييد الرأي العام العالمي لها وهذا ما تخشاه أمريكا ويحاول الرئيس أوباما إيصاله للإسرائيليين في ظل تعنت رئيس وزرائها نتنياهو. قامت سياسة إسرائيل منذ قيامها على سياسة الأمر الواقع وأن أرض اللبن والعسل والميعاد لن تكون إلا لها وحدها وبأن فرض حقائق جديدة على الأرض سوف يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، سياسة أثبتت فشلها الذريع، بل بدأ أن القانون الثالث للحركة للفيزيائي الشهير نيتون، وكما معروف بأن الفيزياء مادة تفوق في علمها اليهود، والقائل بأن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه ينطبق تماما على الفلسطينيين ونكبتهم. فكل ما مروا به من نكسات وتشرد في كافة بقاع الأرض لم يزدهم إلا إصراراً بأنهم لا محالة عائدون. وبأن الشتات كما كان في الحالة اليهودية هو المفتاح لعودتهم. جربت إسرائيل سياسة القوة ولم تعطها الأمن وآن الأوان وبالمعطيات الجديدة أن تجنح للسلم وتقدم عليه بعد فشل أيدلوجية فرضه بالقوة. خصوصاً أن تجاربها في السلام مع مصر والأردن أثبتت نجاحها. بيد أنه ومن منطلق المراهنة المدروسة لوقائع الصراع العربي الإسرائيلي فإن إسرائيل لن توقع مطلقاً اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، والأيام وحدها سوف تثبت صدق هذه المراهنة.
باحث إعلامي
Alfal1@ hotmail.com