حذرت دراسة أمريكية متخصصة من مغبة تخلف الولايات المتحدة الأمريكية عن سداد ديونها بعد اقترابها من الحد الأقصى المسموح به للاقتراض، وهو 14.3 تريليون دولار؛ وتوقعت الدراسة أن يؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلات الإسكان، وتأثر سوق الأسهم، وتقليص أنشطة الإقراض، مع ارتفاع لأسعار الفائدة. الدراسة ركزت على حجم الأضرار المتوقعة على السوق الأمريكية، وتجاهلت التداعيات الأكثر خطورة على الاقتصاد العالمي؛ فالكساد الأمريكي المتوقع؛ الذي تحدثت عنه الدراسة؛ يعني دخول العالم في أزمة اقتصادية جديدة لا يعلم مداها إلا الله.
وزارة الخزانة الأمريكية قد تصبح عاجزة عن الاقتراض، ما يعني تعثرها في سداد السندات المستحقة!. الجدل التشريعي الأمريكي حيال الدين العام قد يستمر ما يعني تأجيل مواجهة الأزمة، إلا أن أزمة المستثمرين في السندات الأمريكية، والاقتصادات المرتبطة بسياساتها المالية والنقدية قد بدأت بالفعل!. الدراسة تشير إلى أن «وضع الدولار الأمريكي بوصفه عملة الاحتياط في العالم سيصبح مهدداً مع تحويل المستثمرين أموالهم إلى الفرنك السويسري أو الين الياباني أو اليورو»؛ وهو أمر سيزيد من أوجاع الدول المرتبطة عملتها بالدولار الأمريكي.
الأمير الوليد بن طلال، وصف الدين العام الأمريكي بـ»القنبلة الموقوتة»، وقال في تصريح لشبكة تلفزيون سي.ان.بي.سي الأمريكية: «نرى أنكم لا تولون اهتماماً كافياً لهذه القنبلة الموقوتة الموجودة لديكم هنا في هذه اللحظة». الأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تولي اهتماماً بالخارج، ومن تابع الجدل الكبير بين أعضاء الكونجرس حيال أزمة الدين العام يؤمن بأن العالم لا يساوي شيئاً أمام المصالح الأمريكية!. بكلمتين فقط لخَّص الأمير الوليد بن طلال وضع الدين الأمريكي، وقرع جرس الإنذار للعالم أجمع، وليس للولايات المتحدة الأمريكية، الأكثر دراية بوضعها المتأزم!.
السيناتور الجمهوري، جيمس ريسك، علق على إحدى مزادات أوراق الخزانة الأمريكية بقوله: «إن الأمر مخيف للغاية؛ ولا يفهم الناس ماذا يجري فعلياً لأن العقل البشري لا يمكنه فهم الحجم الضخم للمبالغ التي يتم التحدث عنها»؛ ربما أن الأمير الوليد بن طلال، بتوصيفه الدين العام الأمريكي بالقنبلة الموقوتة، أراد أن يقرب الفهم للعقول البشرية التي ما زالت تؤمن بتدني مخاطر السندات الأمريكية، وكونها (ملاذاً آمناً للمستثمرين)!، برغم المخاطر المرتفعة.
العام 2008 وبُعيد الأزمة المالية العالمية كتبت محذراً من أزمة الديون الأمريكية، وأنها توشك أن تحدث زلزالاً آخر في العالم، وتمنيت وقف الاستثمار في السندات الأمريكية، وتسييل ما يمكن منها، وإن تكن ضمن اتفاقيات تمويل صفقات تجارية تخفف من ردة فعل الأمريكيين الذين لن يرحبوا قطعاً بقرار التسييل. وفي مقالات عدة أشرت إلى أن سحب الاستثمارات المالية الخارجية واستغلالها في بناء قطاعات الإنتاج، ومشروعات التنمية ستحقق أهدافاً كثيرة منها تحقيق التنمية المستدامة، تنويع مصادر الدخل، وتوفير البيئة الآمنة للاستثمارات الوطنية. زيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات الدعم، والتنمية، ربما أسهمت في سحب بعض الأرصدة الخارجية، وهو أمر إيجابي ولا شك. الدكتور إبراهيم العساف أكد لـ»الشرق الأوسط» أن الموارد البترولية قادرة على تغطية الاحتياجات التمويلية للمشروعات التنموية وحزمة قرارات الدعم الحكومي، إلا أنه لم يستبعد اللجوء إلى «مصادر أخرى» في حال عدم قدرة الإيرادات على تمويل الحزم التنموية، في إشارة منه إلى احتياطات المملكة في الخارج؛ الحقيقة أن اللجوء إلى الاحتياطيات المستثمرة في السندات الأمريكية يفترض أن يكون من الأولويات عطفاً على المخاطر المحيطة بها؛ استغلال الاحتياطيات المستثمرة في السوق الأمريكية لتمويل مشروعات التنمية، وقرارات الدعم الحكومية يفترض أن يكون مقدماً على فوائض الموارد البترولية التي يمكن إعادة استثمارها في دول أخرى كالصين على سبيل المثال. تسييل بعض الاستثمارات لارتفاع عنصر المخاطرة وتحويلها إلى الإنفاق العام، أو تحويلها إلى استثمارات في مناطق أكثر أمناً واستقراراً هو القرار الإستراتيجي الذي يفترض أن يُقدم على ما سواه. الحذر في التعامل مع الأرصدة الحكومية يجب أن يمتد إلى أرصدة البنوك السعودية المستثمرة في السوق الأمريكية، فبقائها دون تغيير قد يعرضها مستقبلاً للمخاطر.
تجربة الأزمة المالية العالمية كانت قاسية على الجميع، وكل ما نرجوه ألا نتعرض لتجارب مماثلة مستقبلاً؛ ربما نحن في حاجة إلى إستراتيجية واضحة للتعامل مع مشكلة الديون السيادية الأمريكية، والأزمة العالمية المتوقع حدوثها مستقبلاً؛ وخطة عمل مُحكمة تقود للمحافظة على الاستثمارات السعودية في السوق الأمريكية. التحرك الاستباقي يضمن، بإذن الله، إيجابية النتائج، وهو أمر يمكن تحقيقه بالتعامل الحذق مع مؤشرات الأزمة الأمريكية المرتقب حدوثها.
f.albuainain@hotmail.com