عبدالله بن محمد بن خميس رائد الأدب والثقافة والصحافة تعرفت عليه من خلال برنامجه الإذاعي الجميل «من القائل» الذي كنت أسمعه في صغري، فدوي صوته النجدي الرخيم ليطبع شخصيته في ذهني وأنا لم أبرح طفلاً أعي ما يقول، وكبرت هذه الصورة حتى التحقت بالدراسة الجامعية في جامعة الرياض سابقاً -الملك سعود- حالياً؛ وصرت في ربى نجد واليمامة، وعند منفوحة الأعشى وطويق الأشم، والدرعية الصامدة بأطلالها الخالدة، وقريباً من التوباد ولوعات المجنون، أمام ذلك الزخم من الإرث الأدبي والتاريخي الذي يرويه لنا ابن خميس، كان حاضراً في ذهني دائماً، وكنت أشاهده عن قرب في مناسبات فلسطينية في الرياض يدعم نضال الشعب الفلسطيني، فأحضر هذه المناسبات، لم أجرؤ على التعرف عليه مباشرة، كنت أرقبه من بعيد، ولا تزال صورته المطبوعة كعلم بارز.عدت من الرياض، فاقتنيت كتبه، وتقفيت أثره في الكتابة، وسنحت لي الفرصة أن اتصل بابن خميس عندما انتهيت من كتابة كتابي العرضة رقصة الحرب، قبل ثمانية عشر عاماً أي في عام 1414هـ، فقلت من له غير ابن خميس، ترددت في الاتصال به، حتى تجرأت وهاتفته، فإذا بصوته النجدي الرخيم يعود بي إلى «من القائل»، ولكن هذه المرة من المتصل.. كويتب يبحث عن جهبذ، عرضت عليه تصدير كتابي، فقال بدون تردد ادفعه لي دون أن يسأل ما مكانة هذا المؤلف، وما رصيده من الشهرة، فأرسلته له ثم اتصلت لأتأكد من استلامه فقال أمهلني شهراً أطلع عليه، مضى الشهر لم أتصل، ومضى أكثر من الشهر، وكنت أقول في نفسي ماذا عسى ابن خميس يفعل بكتابي، فصرت أتردد في الاتصال خوفاً من نتيجة صاعقة تكون جزاء تجرئي على علم بارز، عقدت العزم وتوكلت على الله، فمهما كانت النتيجة سوف أتقبلها، اتصلت، فإذا بصوته الأبوي، أينك هذه المدة، قلت لكي أترك لك فرصة قراءته، قال لا، قرأته حين استلمته، وبدأ رحمه الله بالثناء على الكتاب، وصدر له ما يسر به كل كاتب في أولى خطوات التأليف، هذا هو ابن خميس لم يمنعه اسمه وشهرته من أن يقدم لكتاب كويتب مغمور، ومؤلف مجهول، أو أن يخشى من أن يكون اسمه البارز على عمل مبتدئ في عالم التأليف يخدش سمعته أو يقلل من شأنه كعلم، فلم يدفع به تكبراً إلى ركن قصي للحفظ أو سلة المهملات.
لقد طوق ابن خميس عنقي بوفاء له في حياته فكنت أزوره في منزله العامر مقابل حي السفارات، في جلسته العصرية كلما ذهبت للرياض، وبوفاء له بعد وفاته بالدعاء له، بأن يسكنه الله فسيح جنانه.
جانب مهم في سيرة ابن خميس هو عنايته بالأدب الشعبي وتأصيله كصنو للأدب الفصيح، فكتابه الأدب الشعبي في جزيرة العرب تأصيل لعروبة الأدب والشعر الشعبي، وكتاب من أحاديث السمر هو تدوين لقصص واقعية من قلب جزيرة العرب مستمداً مسماه من قول العربي حينما سئل: «أي شيء يطيب لك؟! قال: أحاديث السمر، تحت ضوء القمر، على الكثبان العفر، وهاهو ابن خميس يرويها عن مجموعة من الرواة الشعبيين وما كان يدور في مجالسهم من قصص واقعية، وكتابه عن راشد الخلاوي، وعن أهازيج الحرب أو شعر العرضة، كل ذلك وغيره كتبه من عمق إحساس بقيمة العروبة لدى ابن الجزيرة العربية مهما بعد عن أسلافه العرب الأوائل فلا تزال جزيرتنا ولادة لأمثال أولئك الرجال والنساء،
وكانت له معارضات مع من لا يهواهم الأدب الشعبي، ويخشون منه على الأدب العربي، ففي كتابه «رموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح» -الذي تشرفت بإهدائه الكريم-، جاء كما يقول في مقدمته «إنه جاء دفاعاً عن أدبنا الشعبي بعامة وتراثنا الشعري منه بخاصة.. وأنه محاولة لبعث السليقة العربية الأصيلة من جديد، والدفاع عن البدو الأقحاح الذين أخذت من بين ظهرانيهم لغة معاجمنا التي نرجع إليها، وما شعرنا إلا بلسان هؤلاء».أنه نتاج معارك أدبية دامت لأكثر من أربعين عاماً مدافعاً عن أصالة الشعر الشعبي وإرجاعه إلى أصله الفصيح. رحمك الله أيها الشيخ الأديب عبدالله بن محمد بن خميس وجعلك مثواك الفردوس الأعلى من الجنة.