صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 224 وتاريخ 17-8-1424هـ بتوسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية عن طريق الانتخابات وذلك بتفعيل المجالس البلدية وفق نظام البلديات والقرى الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 12-2-1397هـ على أن يكون نصف أعضاء كل مجلس بلدي منتخبا، ويختار وزير الشؤون البلدية والقروية النصف الآخر من ذوي الكفاءات والأهلية يكون من بينهم رئيس البلدية، وقد تم إجراء الانتخابات البلدية في جميع البلدية وعددها (179) بلدية حيث تم تشكيل مجالسها بقرارات سمو الوزير الصادرة بتاريخ 12-11-1426هـ ولمدة أربع سنوات ويبلغ عدد أعضاء المجالس البلدية بالمملكة (1212) عضواً نصفهم منتخبين والنصف الآخر بالتعيين وتمارس المجالس البلدية اختصاصاتها وصلاحياتها وفق نظام البلديات والقرى واللائحة التنفيذية لعمل المجالس البلدية والتعليمات المنظمة لعملها والمرجع الإداري للمجالس وزير الشؤون البلدية والقروية.
تعد التنظيمات الإدارية التي ظهرت في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله- مرحلة مهمة ومتميزة في تاريخ بناء الدولة السعودية، فلقد اتسمت بالتنوع والتخطيط والشمولية والدقة والاستيعاب والقدرة على مواجهة الاحتياجات الإدارية ومواكبة أطوار البناء المتسارعة لأجهزة الدولة والمجتمع.
وكان من ضمن تلك التنظيمات الإدارية في عهد الملك عبدالعزيز إنشاء المجالس البلدية وتنظيم انتخاباتها وإجراءات المتعلقة بها، وبذلك أصبحت لدى المملكة تجربة إدارية تمثلت في انتخابات المجالس البلدية منذ فترة مبكرة في تاريخها، ويأتي القرار الأخير بإعادة العمل بالمجالس البلدية امتداداً واضحاً لتلك التجربة.
ففي عام 1343هـ - 1924م أسس الملك عبدالعزيز، «المجلس الأهلي» بمكة المكرمة عند دخوله مكة المكرمة وذلك كخطوة أولى نحو تنظيم العمل الإداري بمكة المكرمة خاصة في وضعها الذي كان بحاجة ماسة إلى ذلك، وبدأ ذلك المجلس بطريقة إدارية جديدة تمثلت في اجتماع نخبة من العلماء ونخبة من التجار ونخبة من الأعيان لانتخاب كل منهم عدداً معينا لعضوية المجلس الأهلي، وجاء في خطاب للملك عبدالعزيز بشأن هذا المجلس في 22 جمادى الأولى 1343هـ ما يأتي:
«إنني أريد من الهيئة التي ستجتمع لانتخاب الأشخاص المطلوبين أن يتحروا المصلحة العامة ويقدموها على كل شيء فينتخبوا أهل الجدارة واللياقة الذين يغارون على المصالح العامة ولا يقدمون عليها مصالحهم الخاصة ويكونون من أهل الغيرة والحمية والتقوى».
ولاشك أن عبارات الملك عبدالعزيز هذه تدل دلالة واضحة على بعد النظر وفهم الواقع حيث أنرسى جلالته رحمه الله الإطار العام المطلوب السير فيه عند اختيار الناس لعضوية مجالس عملية تمس مصالح العامة، وجاء في ذلك الخطاب أيضا توجيه آخر يتعلق بحقيقة الواقع وأهمية المسؤولية حيث قال جلالته:
«لا أريد أوهاماً وإنما أريد حقائق، أريد رجالا يعملون، فإذا اجتماع أولئك المنتخبون وأشكل علي أمر من الأمور رجعت إليهم في حله وعملت بمشورتهم وتكون ذمتي سالمة من المسؤولية، وأريد منهم أن يعملوا بما يجدون فيه المصلحة وليس لأحد من الذين هم أطرا في سلطة عليهم ولا على غيرهم».
وبهذه الكلمات أرسى الملك عبدالعزيز منطلقات الانتخاب والمسؤولية والعلاقة معه ومع أعضاء المجالس المنتخبة والهدف من هذا النوع من التنظيم الإداري الذي يتمثل في تحقيق المصلحة العامة. وبعد انتخاب المجلس الأهلي الأول أصبح عبدالقادر الشيبي رئيساً رئيساً للمجلس، وفي عام 1344هـ قرر الملك عبدالعزيز إعادة تشكيل المجلس الأهلي تحت رئاسة محمد المرزوقي مع تحديد صلاحيات المجلس التي اشتملت على تنظيم أمور البلدية ووضع لوائحها والنظر في المسائل الصحية كما تضمنت الصلاحيات تدقيق مسائل الأوقاف والنظر في حفظ الأمن والمسائل المرقية للتجارة وغيرها من شؤون البلاد، ثم أصبح المجلس الأهلي مجلساً للشورى الذي استمر لفترة زمنية طويلة.