في خضم الأحداث، غير السارة، التي تعصف بأمتنا العربية من محيطها إلى خليجها، التي شدَّت إليها الأبصار والقلوب، وتسمر الناس أمام محطات التلفزة تتابع ما لا يسر العين، ولا يريح القلب من دماء تسفك، ومن منشآت تهدم، ومن عوائل تشرد على أيدي أنظمة حكم استبدت بحكم شعوبها فقادتها إلى ما تشهده تلك الشعوب من ويلات.
في خضم هذه الأحداث المأساوية التي نشهدها ونتابع ويلاتها هيأ الله سبحانه وتعالى لهذه البلاد قائداً فذاً يعد هبة من عند الله لهذا الشعب؛ فمنذ توليه مقاليد الحكم وهب حياته وجهده وفكره لخدمة هذا الشعب لإدخال السرور على قلوبهم، وبث في نفوسهم الطمأنينة، راسماً لمستقبلهم ما يجعلهم يحسون بالأمان.
في عام 2001 مباشرة بعد أحداث سبتمبر المشؤوم اتجهت أصابع الاتهام إلى هذه البلاد بسبب تصرف أرعن قام به أو شارك فيه شلة مخذولة مغرر بها من أبناء هذه البلاد، فاتهمت بلادنا، ظلماً، بجريرة أولئك الغاوين.
ووجدنا أنفسنا في موقع المدافع، وأصبح حتى الأقربون منا في صف من وجه لنا الاتهام. من قدر الله ومحبته لهذه البلاد أن أصبح الملك عبدالله هو المتصدي الأول لتلك المحنة بشجاعة فائقة لا يساويها سوى شجاعة والده المؤسس حينما واجه كثيراً من التحديات بشجاعة نادرة مكنته من إقامة وحدة عظيمة، وترسية قواعد إقامة دولة عصرية مكينة.
لم يجلس الملك عبدالله - الأمير وولي العهد حينذاك - يلتمس الأعذار، ويبحث عن مشاجب يحملها مسؤولية ما حدث، بل أخذ المبادرات في مواجهة تحديات جادة تواجه بلاده في الداخل والخارج، وجعلها على المحك في قدرة المواجهة؛ وهنا تكمن مخابر قدرة القيادة. فكان عبدالله بشجاعة القائد، وهي شجاعة موروثة في هذه القيادة منذ أكثر من ثلاثمائة سنة يقف مع العالم بأسره في مواجهة الإرهاب أيا كان مصدر ذلك الإرهاب، وكان غضبه شديداً وعزيمته قوية في محاربة الإرهاب حينما ألصقت تهمة الإرهاب بالإسلام بسبب تصرفات نفر وجماعات ينتسبون إلى الإسلام ظلماً وعدواناً فالإسلام دين الرحمة والمحبة والإخاء والتسامح والعدل والعلم، وهو بريء كل البراء من تصرفات أولئك الضالين عن طريق الحق، وبدأ بإعلان الحرب على الإرهاب داخل بلده وخارجه. فقد أخذ أولئك الإرهابيون يعيثون فساداً ويشيعون الإرهاب داخل المدن السعودية، ويهددون أمن المواطنين والمقيمين داخل المدن السعودية، ويهددون مصادر ثروة هذه البلاد ويهددون عقول أبناء وبنات هذه البلاد بالأفكار الهدامة والمنحرفة والمنغلقة، ولو لم يفعل الملك ذلك وقاد بشجاعة حرباً ضروساً وحروباً استباقية ضد أولئك المنحرفين الذين كانوا يخططون بشكل واضح ومكشوف لتقويض دعائم الحكم وتهديد مقومات الوحدة الوطنية لتقوض البنيان وحولوه إلى ما يريدونه.
عزز هذا الموقف الشجاع محبة الشعب للقائد، والتف حوله يؤازره، ويقف معه صفاً واحداً لمواجهة من يهدد أمن الوطن واستقراره ووحدته.
قاد الملك مسيرة الإصلاح فالتف حوله كل الشعب.
كان في مقدمة مشاريع مسيرة الإصلاح مشروع الحوار الوطني الذي شكَّل نقلة مهمة في تاريخ الوطن وإصلاح التعليم؛ ففي صلاح التعليم صلاح عقول الأمة. فبدلاً من سبع جامعات أصبح لدينا في عهد الملك المصلح أكثر من ثلاثين جامعة، تتوزع في كل أركان الوطن. وإصلاح مؤسسة القضاء؛ وفي صلاح القضاء إقامة العدل الذي هو الركن الأول في بقاء وصلاح الدول. وإصلاح الاقتصاد وإعلان الحرب على الفساد؛ فقوة الأمم تقاس بمتانة اقتصادها، وقوة الاقتصاد لا ينخره سوى الفساد، واستئثار قلة بمصادر الثروة على حساب المصلحة العامة والأكثرية الساحقة من الشعب.
كان لهذه المبادرات وغيرها من المبادرات الإصلاحية الكثيرة التي تبناها هذا القائد المصلح الأثر البالغ في سعادة أبناء هذا الوطن في وقت نرى الأوطان من حولنا لا تخرج من مشكلة إلا وتقع في أعظم منها... اللهم لا شماتة.
دعاني إلى هذه المقدمة من مصادر الإسعاد التي أدخلها هذه القائد المصلح إلى نفوس أبناء وطنه ما أدخله في نفسي بعد عصر يوم الأحد الموافق 12 جمادى الآخرة 1432هـ من سعادة وهو يدشن جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. كما أعتقد أن ملايين المشاهدين في المملكة العربية السعودية الذين شاهدوا هذا الحدث يشاطرونني هذه السعادة. قبل مدة لا تزيد كثيراً عن السنتين كنا نشاهد وضع حجر الأساس لهذه الجامعة على أيدي الملك عبدالله الذي وعد بنات وطنه بأنه سيؤسس لهن جامعة هي الأولى على مستوى العالم، والأكبر والأرقى على مستوى التنفيذ والتجهيزات، وكذلك المساحة لكي يقول للعالم هذه البلاد التي تتهم بأنها مقصرة في حق المرأة تقوم بإنشاء أكبر جامعة للمرأة ينم - عن حق - على اهتمام هذه القيادة بالمرأة. لا نخفي أن لدينا قوة أشبه بالقوة الخفية، والحمدلله، أنها قليلة في عددها لديها موقف من المرأة، أثرت بصوتها المرتفع الذي لا يزداد ارتفاعاً إلا في أوقات الأزمات أن يكون له تأثير على بعض شرائح من المجتمع حينما ترى هذه الشرائح ارتخاء في الموقف الرسمي، لأن بعض هذه الشرائح مغيبة عن معرفة ما لها من حقوق وما يخدم مصلحتها.
كنت ومازلت وسأظل واثقاً من قدرة القيادة السعودية على السير قدماً في رسم وتنفيذ ما يتطلع إليه السواد الأعظم من الشعب مما هو حق مشروع لمجتمع في زمن متقدم ومتحرك وغير ثابت في مجالات الرقي والعيش الكريم، وفي مقدمتها حق التعليم مهما كانت قوة قوى الرفض الذين كما قلت، إنهم قلة، فلقد وعد كل من الملك سعود وفيصل -رحمهما الله - بأن التعليم حق مشروع للمرأة، وقاما بتحقيق هذا الحق غير آبهين بأصوات الرافضين الذين مالبثوا أن أصبحوا من أشد المنادين بالتوسع في تعليم المرأة؛ وتبنى الملك عبدالله أكبر مشروع برنامج ابتعاث في تاريخ المملكة فبلغ عدد المبتعثين السعوديين من الجنسين أكثر من 120 ألف مبتعث ومبتعثة إلى أرقى جامعات العالم في كل القارات، وقف المعترضون وسرعان ما تخلوا عن اعتراضاتهم، وضموا أبناءهم وبناتهم بقوافل المبتعثين.
سمعت أحد المعلقين الإعلاميين الذين شهدوا حفل الافتتاح يصف فرحة منسوبات الجامعة بافتتاح هذا المشروع المعجزة الحلم بأنهن عبرن عن مشاعرهن بدموعهن وليس بالكلمات. كنت وأنا أشاهد حفل الافتتاح كل تعابير الفرحة والسرور على وجه الملك المصلح، تلك التعابير التي غابت لفترة جعلت فرحتي بما أفرح قلب الملك تختلط بعبرة وأنا أقول في نفسي الحمدلله الذي مكن هذا الملك العظيم أن يفرح ويفرح كل أبناء وبنات شعبه بإنجاز هذا الصرح العظيم في وقت وجيز ووجيز جداً. تذكرت حفيدتي نورة الصغيرة التي تدرس الآن في السنة الثانية الابتدائية وهي تقول لي عندما وضع الملك حجر الأساس لهذه الجامعة وكانت بجانبي وتشاهد الفرحة على وجهي وتسمع باسم نورة الأميرة العظيمة التي كرمها هذا الملك العظيم بأن تحمل هذه الجامعة اسمها: «إذا كبرت ياجدو سأدخل جامعة نورة ولكن أريد أن أكون ممرضة أو طبيبة» نعم حلم نورة الصغيرة سيكون بحول الله وقوته حقيقة.
أي ملك أنت يا عبدالله، أدخلت في نفوسنا السرور والسعادة، وزرعت في قلوب أبنائنا وأحفادنا الأمل، وأذكر أحاديث طويلة مع العديد من الأصدقاء حول هذه الجامعة ورغبة الملك - حفظه الله - في أن تنجز في مدة وجيزة وبمواصفات راقية، وما كان يقال من ضخامة المبلغ الذي رصد لها، والذي أعلن أنه في حدود عشرين مليار ريال، بعكس ما كان يقول المتقولون إن المبلغ ضعف ما أعلن. كنت أقول لأصدقائي وهم يعرفون بأنني من أحرص الناس على المال العام وتوظيفه في مكانه المناسب، إن هذا المبلغ في نظري يهون في بناء مدينة جامعية متكاملة وليست مجرد جامعة. والجميل في هذه الجامعة وهو موقعها حيث مكن كل مواطن ومواطنة وحتى زوار مدينة الرياض من غير أهلها مشاهدة النمو السريع والملموس لهذا الصرح وهم في حالات ذهابهم وإيابهم من وإلى مطار الملك خالد.
وكان من ضمن أصدقائي من يعمل في مجال العقار - وأنا أبعد ما أكون عن هذا المجال - كانوا يعلقون آمالاً على أن جامعة نورة قبل اختيار موقعها الحالي ستحدث نقلة في تجارة الأراضي حيث قدرت الأرض التي كان يفترض أن تشترى لإقامة الجامعة بأكثر من عشرين مليار ريال؛ كنت أمازحهم قائلاً: فاتت عليكم، ولو جاءت الأمور على ما تشتهون لتأخر بناء الجامعة كثيراً من السنوات، وهذا بالتأكيد لن يضيركم. أما حفيدتي نورة وأنا معها ومثلنا كثير من الملايين السعوديين يهمنا تنفيذ مشروع حيوي ومهم وبهذه المواصفات ونفعه يعم الجميع وفي وقت قياسي طالما الخزينة عامرة بالأموال ولله الحمد، وأنفقت في محلها الطبيعي.
وكان يشاطرنا في هذه النقاشات كثير من المقاولين الذين كانت لهم وجهة نظر في تعميد شركات بعينها في تنفيذ مشروع الجامعة. كنت أقول لهم أنا وحفيدتي نورة، وكل المواطنين يهمنا تنفيذ مشاريع راقية غير متعثرة نرى فيها النفع والمصلحة للسواد الأعظم من الموطنين. أما مشكلتكم أنتم المقاولون فأتمنى أن تتحدوا وتقووا قدراتكم وإمكانياتكم لكي تكونوا منافسين على جودة العمل وسرعة الإنجاز لكي تكسبوا رضا المواطنين ودعم الدولة.
شكراً يا طويل العمر. فلقد أسعدت شعبك، وأخيراً رسالتين أوجه الأولى إلى معالي وزير المالية إن هذا المشروع العظيم جدير بأن تخصص له ميزانية تكفل صيانة وتلبية ما يحتاج إليه من معامل ومختبرات ومتطلبات أخرى، لكي يبقى لأجيال وأجيال قادمة.
والرسالة الأخرى إلى معالي مديرة الجامعة الدكتورة هدى العميل مع تمنياتي لها بالتوفيق إن هذا الصرح العظيم أمانة في عنقك ومن يساعدك من طاقم إدارة هذه الجامعة أن يكون فعلاً منارة للعلم والمعرفة، وألا يكون صرحاً مغلقاً أو منغلقاً فلقد أعد لعصر متقدم، يمهد لعصور أكثر تقدماً.