لدي قناعة تامة بأن أي عمل إرادي يقوم به الإنسان البالغ العاقل المميز ذكراً كان أم أنثى يسبقه تفكير في الموضوع وربما استشارة واستخارة يتولد من هذه الممارسات الثلاث بناء قناعة راسخة بأن هذا هو الصح الذي يجب أن أتبناه وأدافع عنه، وعندي قناعة أشد أن نقل هذه القناعة من دائرة الإيمان الشخصي إلى التطبيق العملي خاصة حين يكون فيه مخالفة لأعراف وقوانين ومسلمات المجتمع درجة أعلى في باب اليقين الجازم عند الإنسان أن هذا هو الحق الذي يجب الصدع به ونقله من الدائرة الذهنية إلى الساحة الشعبية، واعتباره نصاً يملكه الجميع بعد أن كان ذاتياً محدود الدائرة والمُسألة!!، ليس هذا فحسب بل إن لدي قناعة وجزم بأن الدعوة الجهرية الجماهيرية إلى هذا الفعل المخالف والإعلان عنه وتسويقه يدل دلالة جازمة أن القناعة عند هذا الإنسان ليست هينة بل هي ثابتة مستقرة لا يمكن أن تتزعزع يوماً ما مهما كان الثمن!!، من جهة ثانية عندي قناعة أخرى بأن القناعات التي رسخت في الذهن ردحاً من الزمن وللإنسان عليها شواهد ولديه أدلة وبراهين على صدقها، وقطع على نفسه العهد بأن يواجه فيها مجتمعه وينقلها من حيز التفكير والإرادة الذاتية لتصبح قضية مجتمعية قناعات يصعب تغيرها، وتحتاج ممن يريد أن ينبري لذلك التغيير الموجه والمقصود أن يبذل جهداً ويمضي وقتاً ويكون متخصصاً في الإقناع والتأثير وله كاريزما شخصية ينفذ من خلاله لمن يريد التأثير عليه حتى يتسنى له أن يبدل هذه القناعة أو تلك، ولذلك لما أسمع أن فلانا من الناس بدل قناعاته التي مرت بالأطوار الواردة أعلاه حتى وصلت إلى غايتها ومنتهاها أجد نفسي متردداً بين احتمالات أربع:
أولها أنه لم تكن قناعة في الأصل، وإنما هذا الإنسان غرر به ووظف توظيفاً مدروساً ومخططاً له من قبل أشخاص أو مؤسسات داخلية أو خارجية علم ذلك أو لم يعلم، والهدف في الغالب الأعم محاولة معرفة اتجاه المجتمع وردة فعله سواء بمؤسساته الرسمية أو الأهلية، وقياس مدى قابلية الشعوب للتغيير في هذه المسألة بالذات، وعلى فكرة ليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث في مجتمعنا السعودي مثل هذا وفي ذات الموضوع على وجه الخصوص « قيادة المرأة للسيارة «.
ثانيها أن قناعاتنا نحن الشعب السعودي قناعة هشة والبواعث الداخلية لدينا والدوافع الخارجية التي تحركنا للفعل أياً كان دوافع وبواعث عاطفية أكثر منها عقلية مدروسة ومسبورة وجوهها المختلفة واحتمالاتها المتوقعة.
ثالثها أن لدى بعض الدعاة قوة خارقة في الإقناع وقدرة فذة في تبديل القناعات بشكل غريب فما بُني في سنوات حتى وصل إلى دائرة الفعل الخارق لقيم وعادة وتقاليد ومسلمات أقرب الناس، استطاع هذا الداعي أن ينسفه في أيام معدودة بل ربما في ساعات وبلقاء أول لقاءين أو حتى ثلاثة على الكثير!!.
رابعها أننا نكذب على بعضنا البعض بل ربما نمارس «التقية» حين مطارحة قناعاتنا الفكرية وولاءاتنا السياسية واتجاهاتنا الأيديولوجية!!.
عموماً أن لا أستبعد ما نشرته الصحف من أن سائقة الخبر اعتذرت عن فعلتها وأعلنت ندمها، ولا يمكن لي أن أنفي ما صرح به فضيلة الشيخ د غازي الشمري وكذا ما جاء على لسان والد الفتاة ولكنني أبدي تعجبي من هذه البساطة في نسف قناعة راسخة قادة إلى ارتكاب ما يمكن أن يطلق عليه البعض «جريمة مجتمعية» مع سبق الإصرار والترصد..والقضية برمتها لا تهمني هنا ولكنني أخذتها مثالاً لتعاملنا مع القناعات وكأنها مجرد ظن أو حتى غلبة ظن وليست يقيناً مستقراً في عقل الإنسان وقلبه.
إنني أؤكد في النهاية على أهمية توجهنا الحقيقي نحو بناء القناعات على أساس اليقين لدى أبناء الجيل بشكل سليم حتى لا نصبح مجتمعاً هشاً سهل الاختراق سريع التصدع تحركه رياح التغيير وهبائب التبديل اليوم يمنة وغداً ذات الشمال، وإلى لقاء والسلام.