|
لقد نعمت المملكة العربية السعودية بست سنوات مباركات حفلت بالعديد من الإنجازات التي أثمرت نهضة علمية واقتصادية واجتماعية قل أن تتحقق في مثل هذا الزمن القصير، ولا يستطيع القلم الإحاطة بكل الإنجازات التي عاشتها المملكة في هذه السنوات الذهبية، ولكن يمكن الإشارة لبعض مؤشرات التقدم التي يعيشها هذا الوطن في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله.
لقد تعددت النطاقات التي يمكن أن يكتب عنها القلم بوافر من الاعتزاز والفخر، فمن الجهود التي تذكر فتشكر، أن خادم الحرمين الشريفين هيأ الأجواء المناسبة لرسم الإستراتيجيات الكبرى التي تسير وفقها مؤسسات الدولة، وذلك من خلال الإستراتيجية بعيدة المدى التي تحاول تحقيق أهدافها عام 2025، وعلى ضوء منها تم رسم الخطتين الخمسيتين (الثامنة والتاسعة) لتتواكب مع التطلعات الكبرى التي تطمح للوصول إليها المملكة العربية السعودية.
لقد كان -حفظه الله- حكيماً في الخطوات التي تدرَّج بها في معالجة المشكلات التي سببت بعض الوهن في عدد من المفاصل الإدارية، فأمر بإصلاحات واسعة في مجال القضاء، وأمر بإنشاء هيئات تعنى بمكافحة الفساد وحقوق الإنسان، ووسع دائرة موظفي المراقبة على المتجاوزين، وأعطى الصلاحيات الكاملة للمؤسسات التي تقوم بالرقابة والتدقيق، وهذا كله يصب في المصلحة العليا للبلاد التي تطمح إلى أن تكون دولة ريادية في مجال الإصلاح والشفافية.
ثم توَّج ذلك بالقرارات الملكية التي صدرت في جمعة الخير بتاريخ 13-4-1432هـ والتي سعد الجميع بتتابعها لأنها عالجت العديد من المشكلات الوظيفية والإسكانية والصحية والرقابية، وكان فيها اهتمام كبير ببيوت الله، فقد جاءت الأوامر الملكية السامية الأولى والثانية لم يفصل بينهما سوى أيام قليلة تحمل مزيداً من الخير لمواطني هذا البلد المبارك، حيث لبَّت المبالغ التي أمر خادم الحرمين الشريفين بتوجيهها احتياجات المواطنين، وأعطت زيادات كبيرة في الرواتب والأجور، ووفرت آلاف الوظائف الجديدة في القطاعات المدنية والعسكرية، وساعدت في بناء آلاف الوحدات السكنية، ورفعت قروض صندوق التنمية العقارية، وطورت المزيد من المرافق الصحية.
وقد ظل خادم الحرمين الشريفين حريصاً خلال فترة حكمه على حث المسؤولين لتطوير الخدمات المقدمة للمواطنين وزيادة رفاهيتهم، وقد تمثل هذا بالدعم السخي الذي يتم تخصيصه سنوياً لنظام الخدمات في جميع الميزانيات الماضية، وذلك أحد أهم مؤشرات السخاء في العطاء من أجل راحة المواطن ورفاهيته.
ولعل مما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، أن خادم الحرمين الشريفين قد أخذ على عاتقه تطوير الحرمين الشريفين والتيسير على المسلمين بتوسعتهما، فقد وسع المسجد الحرام بما يزيد على 300 ألف متر مسطح شملت الجهة الشمالية من المسجد الحرام لتستوعب أكثر من مليوني مصل في غير أوقات الذروة.
كما كان من جهوده التي سيذكرها التاريخ بكثير من الاعتزاز تطوير جسر الجمرات الذي يبلغ طوله قرابة كيلو متر وعرضه ثمانون متراً ويتكون من خمسة أدوار مزودة بالمخارج والسلالم وغرف الطوارئ اللازمة ومهبط للطائرات ونظام تكييف وتبريد وساحات محيطة وتنظيم للتفويج مما جعل مشكلة الازدحام في رمي الجمرات منتهية.
أما الحرم المدني فقد أمر بتوسعته من الجهة الشرقية وأمر بتظليل الساحات المحيطة بالحرم وسهل من مهمة الزوار للحرم بإنشاء محطة للنقل ومواقف واسعة تستوعب الأعداد المتزايدة من الزوار. وهذا يعد إنجازاً ملموساً يشعر به كل زائر للحرمين الشريفين.
أما في نطاق التعليم فقد أقر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها في 24 محرم 1428هـ مشروع الملك عبدلله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام الذي يعد نقلة نوعية في مسيرة التعليم في المملكة العربية السعودية، فهو مشروع نوعي يصب في خدمة التعليم وتطوره في المملكة لبناء إنسان متكامل من جميع النواحي. ويأتي المشروع استجابة لتطلعات خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وتنفيذاً لسياسة التعليم في المملكة التي تشدد على ضرورة مواكبة التطور العلمي والتقني.
وخطت -إثر ذلك- مسيرة التعليم خطوات متسارعة إلى الأمام حيث وجهت المملكة نسبة كبيرة من عائداتها لتطوير الخدمات ومنها تطوير قطاع التعليم، ولم تقف معطيات قائد هذه البلاد عند ما تم تحقيقه من منجزات تعليمية شاملة، فهو -أيده الله- يواصل مسيرة التنمية والتخطيط لها في عمل دائب يتلمس من خلاله كل ما يوفر المزيد من الخير والازدهار لهذا البلد وأبنائه.
وفي مجال التعليم العالي فإن المملكة تعيش نهضة تعليمية شاملة ومباركة أثمرت ما يربو على ثلاثين جامعة حكومية وأهلية موزعة جغرافياً لتغطي احتياجات المملكة، وقد بلغ عدد طلبتها نحو مليون طالب وطالبة، وعدد أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات نحو 33 ألف أستاذ للعام الدراسي 1430 - 1431هـ. وقد تُوجت الجهود المبذولة في مجال التعليم العالي بالموافقة السامية على الخطة المستقبلية للتعليم الجامعي في المملكة العربية السعودية (آفاق) «1450هـ» - وهي خطة طويلة المدى لمدة (25) سنة للتعليم فوق الثانوي بهدف الارتقاء بالجوانب الإيجابية، ومعالجة التحديات الحالية، والمستقبلية, حيث تلتزم «آفاق» بعدة مبادئ من أهمها الشريعة الإسلامية، والتخطيط المبني على الرؤية المستقبلية، والمواءمة مع الخطط الوطنية وخطط القطاعات الأخرى ذات العلاقة، ومواكبة التوجهات والتجارب العالمية في التعليم العالي، وتوسيع مشاركة ذوي العلاقة وتضمين تطلعاتهم، وبناءً ثقافة التخطيط الإستراتيجي في الجامعات، والالتزام بالجودة وضمان تحقيقها.
وإيماناً من القيادة الرشيدة بأن الإنسان هو ثروة الوطن الحقيقية، ولتنويع سياسات التعليم وفلسفاته ومناهجه ولتوفير الفرصة للمبتعثين للدراسة في الجامعات المرموقة ذات السمعة العالية، صدرت في الرابع عشر من شهر ربيع الآخر عام 1426هـ الموافقة السامية على برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي، والذي هو ترجمة فعلية صادقة لاهتمام القيادة بالعلم وطلابه ودليل راسخ على الدعم السخي الذي يحظى به قطاع التعليم العالي.
وتجسيداً لاهتمام خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بمسيرة التعليم في هذا الوطن وازدهارها وتسخير كافة الإمكانات لتطويرها، وبما يمكن من الإعداد الأمثل لأجيال مؤهلة بالعطاء في سبيل خدمة وبناء الوطن والمواطن والسير به لآفاق الرقي والتطور صدرت في الخامس من شهر صفر 1431هـ موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- على تمديد فترة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لمدة (خمس سنوات) قادمة اعتباراً من العام المالي 1431 - 1432هـ.
وقد أتاح هذا البرنامج لأكثر من مائة ألف مبتعث ومبتعثة فرصة الدراسة واكتساب المعارف والمهارات وتحقيق الامتداد الثقافي بين المملكة العربية السعودية والحضارات الأخرى من خلال أكثر من (25) دولة في العالم.
كما أن من الملامح المهمة في هذا العهد المبارك النهضة الاقتصادية التي جعلت المملكة من كبرى الاقتصاديات العالمية وأدخلتها في نادي الدول العشرين الأكبر تأثيراً في اقتصاديات العالم، ولعل الميزانيات القياسية التي لم تبلغها المملكة طيلة عهدها الزاهر من أكبر المؤشرات التي تدل على الوعي الإستراتيجي الذي تسير وفقه القيادة الحكيمة من أجل استثمار أمثل لمقدرات الوطن.
وفي نطاق السياسة الخارجية كان له دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله، إذ تمكن - حفظه الله - بحنكته السياسية ومهارته الدبلوماسية في القيادة العبقرية من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وأصبح للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قوي وفاعل للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته، كما حافظت المملكة بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وتوجيهاته على الثوابت العربية والإسلامية واستمرت على نهج جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله- فصاغت نهضتها الحضارية ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وعلى الرغم من المتغيرات الدولية الضخمة التي مرت وتمر بها المنطقة إلا أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سار بالدولة وفق رؤية حكيمة تراعي المتغيرات الدولية والتطورات الداخلية من دون أن يتسبب ذلك في الإخلال بالتوازنات الوطنية والدولية الكبرى، يتجلى ذلك في مواقف المملكة من متغيرات الدول العربية التي أسفرت عن تطورات جذرية في عدد من البلدان أدت إلى تغيرات في بنية المؤسسات السياسية وتغييرات في هيكلة تلك الدول، ووفقاً لتلك الأحداث المتسارعة، فإن الموقف الحكيم للقيادة الراشدة جعل المملكة تنأى عن ذلك الطوفان الهائل الذي جر تلك البلدان إلى عدم الاستقرار، كما كان للمملكة موقف حازم إزاء التحولات التي تهدد أمن الخليج وقد تجلى ذلك في الموقف الصارم تجاه الأحداث في مملكة البحرين.
إن المتابع لعلاقة الوفاء بين خادم الحرمين الشريفين وشعبه يجد أنها من القوة والمتانة ما يجعلها تتأبى على كل محاولات الزعزعة التي تحاولها بعض الفئات التي تحاول تعكير صفو هذه العلاقة أو التشويش عليها، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة مدى صلابة هذه العلاقة وتأبيها على الانفصام. إن الأعمال الجليلة التي قام بها المليك إبان هذه الست المباركات لا يمكن أن يحصرها قلم، أو يحيط بها حديث، غير أن في الإشارة ما يغني عن العبارة. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأمد في عمره صحيحاً من كل داء، معافى من كل حزن، موفقاً في كل قول وعمل.. والله من وراء القصد.
* مدير جامعة القصيم