التشكيك في الأعراض واتهام السرائر هي وسائل هدم أخلاق المجتمعات ونشر الرذيلة فيها. فمن أجل ذلك شدد الإسلام العقوبة فيه فقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
في مسائل المرأة بشكل عام، منذ بدايات مقاومة تعليمها عام 1960م إلى مناظرات اليوم حول سياقة النساء، تجد أن مفهوم جوهر أطروحات المعارضين -تصريحاً أو تضميناً- يتمثل في اتهام المجتمع بأنه مجتمع خارج عن الانضباط الذاتي لا يحكمه ورع شخصي يمثله قول الشاب المسلم (إني أخاف الله)، ولا مروءة إنسانية يمثلها خطاب هند للرسول عليه السلام وجوابه لها (أو تزني الحرة؟ قال: لا).
نشر هذه المفاهيم وتصوير المجتمع بأنه مجتمع همجي سينقض بعضه على بعض تحرشا وأذية وإساءة بل وفاحشة -والعياذ بالله- هي في الواقع هدم لأخلاق المجتمع ونشر للرذيلة فيه بشهادة قوله تعالى في أية سورة النور السابقة.
غالب المعارضين لسياقة النساء لا يجدون مستندا شرعيا يحرم السياقة في ذاتها بل هم يحتجون بسد الذرائع الذي ما هو إلا اتهام ضمني للمجتمع السعودي بأنه مجتمع همجي لا يستطيع الانضباط إلا بالمنع والعصا، وإلا فهو اتهام ضمني للشعوب الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى التي سمحت بقيادة المرأة للسيارة. وكذلك فأي شخص يحتج بخصوصية المجتمع السعودي فهو لا يخرج عن كونه ضمن أحد الفريقين: إما اتهام بعدم وجود فضيلة في المجتمع السعودي أو يعتقد بعدم وجودها في المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية الأخرى.
وفي اعتقادي، أن أكثر المعارضين لسياقة النساء -بغض النظر عن اتجاهاتهم- سواء أكانت شرعية من باب سد الذرائع أو اجتماعية من باب التحجج بخصوصية المجتمع السعودي لا يقصدون ولا يتصورون حقيقة معنى قولهم ولوازمه. لأننا لو أردنا أن نلزم أحدهم بلازم تحججه بسد الذرائع أو الخصوصية لما التزم ولكبر ذلك في نفسه وعظم عليه. فإن كان هناك أحد يعتقد حقيقة أن المجتمع السعودي مجتمع همجي لا مروءة له ولا ورع يتحرش بالنساء ويواقع الرذيلة لولا المنع المفروض عليه، أو يعتقد أن المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية مجتمعات فاسدة لا مروءة لها فهي لا تأبه بتحرش رجالها بنسائها ولا يكترثون بأعراضهم، فهو شخص مريض نفسيا شاذ جنسيا لا مروءة له ولا دين يدخل ضمن تهديد آيات سورة النور في الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
المعارضـون لسياقة المــــرأة المدركون لأهداف صراعهم -لا المقلدون- بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الاجتماعية هم يصارعون من أجل النفوذ أو الخوف على النفوذ. فالذي يصارع على النفوذ فهذا من همه نفسه -وقد راهن على عدم السماح بسياقة النساء- فسعى في كسب الشعبيات من العوام عن طريق التعسير والتشديد في هذه المسألة، ليغفر له العامة تساهله وأخطاءه في مسائل أخرى. ومنهم من همه أعلى من هم نفسه فهو يخاف على النفوذ العام، فهو يعتقد -واهماً- أن السماح بسياقة النساء هو كسر للهيبة وللنفوذ القديم والذي يُعتبر المنع لسياقة النساء أحد مخرجاته وقراراته.
وقد كثُر في أطروحات بعض المعارضين استدعاؤهم للسلطة ضد مخالفيهم واتهامهم بالتحريض ضد النظام وفي هذا دليل واضح على إفلاس حججهم وتحجر فكرهم. فضمان استمرارية النظام هو صيانته بالتجديد وتعهده بالإصلاح. ونظام منع المرأة من السياقة نظام لم يُتعهد قط بالصيانة والتجديد لنصف قرن، والنظام إن لم يُجدد ويُصان ينهار فجأة من غير مقدمات انهيارا مؤلما ضارا مدمرا. فمن كان همه حقا بقاء النظام الذي وُضع من أجل المحافظة على مكانة المرأة وعدم تعرضها لما قد يطرأ لها في الطرقات وهي تسوق، فليبكي جمود النظام لنصف قرن لا الجهود المخلصة في صيانته وتجديده.
وهدم أخلاق الأمة المتمثل بالاتهام الضمني لسرائر المجتمع السعودي وإلا فالاتهام الضمني لأعراض المسلمين في المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى، هو المسكوت عنه في هذا الصراع الدائر على النفوذ حول سياقة المرأة.
hamzaalsalem@gmail.com