توفي الشيخ الكريم عبدالله بن خميس بعد قرن حافل بالعمل الدّؤوب المثمر في مجالات متنوّعة من المعرفة. وكان نجاح هذا العالم لأسباب منها صدقه مع قلمه، ومعرفته بقدراته، وتلبيته لرغباته المعرفيّة، وانطلاقه من بيئته المحيطة إلى ما بعدها، وسلامة منهجه التّكاملي الّذي تسعى له مراكز الأبحاث العالميّة اليوم. فهو لا يهمل المعلومة ما دامت صحيحة أيّاً كان مصدرها. وهو يأخذ هذه المعلومة من البيئة عينها، ومن أفواه النّاس، ومن الكتب والأبحاث، ومن دواوين الشّعر العربيّ، ومن أشعار العامة؛ بذا عمُقت أبحاثه، وسمت لغته.
وقد كان عبدالله بن خميس من أوائل من نشر الثّقافة العلميّة التي يراها كثيرٌ من المهتمين اليوم أمراً ملحّاً في حياة النّاس. فنجده إلى جانب اهتمامه بالبحث العميق المستغرق في مجاله، يسعى إلى إنشاء مجلّة تصبح فيما بعد جريدة ما زالت تُنتظر كلّ صباح من قرّائها في أنحاء الأرض. وإنشاء مثل هذه الوسيلة الّتي هي الأكثر انتشاراً والأسرع وصولاً إلى القراء، في عصره، ليس بالأمر اليسير الهيّن.
وعبدالله بن خميس ربط المعلومة الوصفيّة بالأرض في أسلوب وجيز بليغ يجذب إليه القارئ من أول وهلة. فهو لمّا يعنون لكتاب من كتبه بـ»المجاز بين اليمامة والحجاز» يرفع كلّ الحواجز بينه وبين القرّاء، ويجمعهم على مائدته على اختلاف مشاربهم. وهذا الرّبط الجميل هو ما سيكون رافداً مهمّاً من روافد بناء قواعد معلوماتٍ جغرافيّةٍ ثريّةٍ، في زمن يسعى أهلوه إلى جعل معالم الكرة الأرضيّة كلّها بين يديهم في هيئة رقميّة عجيبة.
طرأت لي هذه الأفكار لمعرفتي ببعض ما يزخر به عالمنا اليوم من اتّجاهات علميّة مثيرة تتنافس فيها الأمم تنافساً عظيماً؛ ولمعرفتي ببعض أعمال الشيخ ابن خميس؛ وإن لم يحصل لي أن رأيته إلاّ في آخر حياته (عام 1430هـ)، لمّا كرّمت الجمعيّة الجغرافيّة، بجامعة الملك سعود، العلماء والباحثين والمشاركين فيها، وكان على رأس هؤلاء؛ فحيّيته، وأعجبت ببشاشته وحسن ردّه، على الرّغم من أنّه تجاوز التّسعين من عمره. وقد حاولت أن أحادثه آنذاك، ولكن الفرصة لم تتح لي لكثرة من يريد أن يتحدّث إليه من الحضور. ولو أتيحت لسألته عن أشياء منها طريقة بحثه في برنامجه الجميل: «من القائل»، ولسألته عن بيته الّذي قال فيه محتفياً بمن خاطب:
أهدي لك الشّعر وإنّي كمن
يهدي إخاء الدّهر للفرقدين
لا أعرف هل ورد هذا المعنى عند أحدٍ من الشّعراء السّابقين، أو هو السّابق إليه؟
رحم الله الشيخ عبدالله بن خميس رحمة واسعة، وجعل أعماله الّتي تركها من بعده في ميزان حسناته.
أستاذ الهندسة المساحيّة جامعة الملك سعود
dalgarni@ksu.edu.sa