تلقفني عامل نظافة عند باب المسجد وبادرني بسلامه ثم عانقني عناقاً حاراً، كنت أعتقد أنه ممن عمل لدي مسبقا وأحب أن يطمئن على حالي، لكنني فوجئت أني لا أعرف الرجل وأن هذا هو لقائي الأول معه، وبعد أن انتهى السلام مضى كل منا في طريقه.
بعدها بيومين أو ثلاث أتاني عامل نظافة آخر بزيه وفعل مثل فعل صاحبه مبادراً بالسلام علي ثم انصرف في شأنه، أدهشني ذلك ولم أكن أعرف سر ذلك السلام فتنحيت إلى جانب الطريق لئلا يراني، وأخذت ألمحه وأرقبه خفية لعلي أجد تفسيراً لهذا السلام الأخوي الصادق، أكمل هذا العامل سلامه على بعض المصلين حتى أتى رجلاً مسناً فلما سلم عليه أخرج ذلك المسن من جيبه نقوداً وأعطاها هذا العامل صدقة منه.
عند ذلك عرفت أن الأمر لا يعدو أن يكون مهمة شحاذة يقوم بها هؤلاء العمال حتى يكسبوا ود الناس ويستعطفوهم فيرأفوا بحالهم.
إن هذا العامل ونحوه قد أتى به من شتى بقاع الأرض وكلف دولتنا مبالغ باهظة حتى يرتدي زي النظافة ويقوم بتنظيف الشوارع ورعايتها وصيانتها، وإذا به يتحول عن عمله الذي أتى به لأجله إلى الانضمام لعصابات الاحتيال والشحاذة في بلادنا، هل تعتقدون - كما أعتقد- أنه لولا ذلك المحسن (الذي تبرع بذلك المبلغ من باب الصدقة) لما تحول هؤلاء عن أعمالهم ومهامهم إلى هذه المسكنة.
إنني بهذه الكلمات لا أدعو إلى قطع باب الصدقة والإحسان إلى الفقراء ممن تعفف عن السؤال وأوكل أمره إلى الله ثم إلى جمعيات البر والإحسان والمؤسسات الخيرية المنتشرة في بلادنا والتي تقوم بتوصيل نفقات المحسنين إليه، لكنه يحزنني أن نسيء لهذا البلد ونضيع ممتلكاته من باب حسن النية وفعل الخير، ولا ندري أن فعل الخير هذا قد آل في النهاية إلى شر، إن مثل هذه السلوكيات هي التي جعلت تلك العمالة التي لم تتق الله فينا تتمرد و تعيث في بلادنا فتسلب الممتلكات وتخالف الأنظمة فقد عرفت طيبة شعبنا ورقة قلبه فولجوا علينا من هذا الباب وكانت القصص التي لا تنتهي تحكي عن مخالفاتهم وتجاوزاتهم، لو كان ذلك العامل لدي وأتته تلك العطايا والصدقات الحسان من غيري لما استمر في عمله عندي لأن باستطاعته أن يحصل على أضعاف راتبه الذي جاء من أجله، ولو كنت أنا مكانه لفعلت مثل فعله.
إذاً لنكف عن مثل هذه الممارسات ولنعلم أن عمل الخير سمي خيراً لأنه لا يؤول إلى مفسده أو تخريب لممتلكات الغير أو تعد على حقوقهم، ولنعلم أن الصدقة والإحسان لهما أبوابهما المشروعة لمن يستحقهما خير استحقاق.
- رئيس أقسام الجراحة والطوارئ بكلية الطب - جامعة القصيم