يبدو أن ظاهرة العنف الأسري في مجتمعنا تأبى إلا أن تُترجم صورة كاريكاتيرية وذلك لانتشارها وفشوها، ففي صحيفتنا (الجزيرة) عدد (14117) يوم الثلاثاء 21-6-1432هـ نُشر كاريكاتير مفاده: أن رجلاً قدَّم طقم ذهب لامرأة (أختاً أو بنتاً أو زوجة) عبارة عن (رضاوة) مقابل ما تلقته هذه المسكينة من جلد وركل وضرب، وقال لها هذا الرجل أخيراً: «واحمدي الله.. غيرك ينجلد ببلاش»!.
وقد نسي هذا الرجل أن الجلد عبارة عن حكم من أحكام الشريعة لا يُطبق على أي إنسان، دون ضابط شرعي يستدعي ذلك، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان للمراة، ومعاشرتها بالمعروف، فقال عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وليس بالعصي والشتائم والظلم، قال الشاعر:
الظلم نارٌ فلا تحقر صغيرته
لعل جذوة نارٍ أحرقت بلدا
وما أكثر ظلم النساء في هذه الأيام من أولياء أمورهن بعضلهن، أو أخذ رواتبهن بغير حق، أو من أزواجهن بضربهن أو كسر خاطرهن بطلاقهن، وأكبر شاهد على ذلك ما تطالعنا به بعض الصحف من خلال ما يدور في أروقة المحاكم وهيئة حقوق الإنسان ولجان إصلاح ذات البيت، من عنف وأذى تتعرض له الكثير من النساء، فأين ذلك من وصية النبي صلى الله عليه وسلم بهن كما في (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخيرٍ أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خُلقت مِنْ ضلعٍ وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تُقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيراً). وهذا التوجيه النبوي يقتضي حسن عشرتهن واحترام حقوقهن، ورعاية مشاعرهن، وتطييب خواطرهن، وعدم إيذائهن بالضرب واللعن والشتم، أو بأي نوع من أنواع الأذى.
فالمرأة بأمس الحاجة للعطف والحنان، ولأن تقدم لها أيها الأب أو الأخ أو الزوج طقوماً معنوية أولى من الطقوم المادية التي يزول بريقها من الزمن، فيجب على الزوج أن يهدي زوجته طقماً من الحب والتقدير، وطقماً من العطف والحنان، وطقماً آخر من الثقة والاحترام، ليتحصل هو على مخرجات هذه الطقوم من الألفة والمحبة والراحة والاطمئنان، قال الشاعر:
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
والرجل الذي لا يجيد التعامل مع ابنته أو أخته أو زوجته إلا من خلال الطقوم المادية فقط، سرعان ما تعود حياته لما كانت عليه من صخب وضجيج، فيعلو صوته، ويضرب وينهر ويغضب، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ضرب النساء كما في سنن أبي داود من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تضربوا إماء الله) وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: «إذ انبعث أشقاها انبعث بها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة»، ثم ذكر النساء فوعظ فيهن ثم قال: «إلام يجلد أحدكم امرأته»، وفي رواية أبي بكر (جلد الأمة) وفي رواية أبي كُريب (جلد العبد ولعله يضاجعها من آخر يومه).
وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم الذين يؤذون النساء كما في سنن ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أُحرِّجُ حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة).
قال السندي: قوله: (إني أُحرج) من التحريج أو الإحراج، أي: (أضيق على الناس في تضييع حقهما وأشدد عليهم في ذلك) والمعنى: أن من ظلم اليتيم والمرأة لا يحله الله، بل إنه معرض للحرج والعقوبة في الدنيا والآخرة، قال الشاعر:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم آخره يفضي إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
والظالم للمرأة قد يكون ذكراً، ولكن ليس بالضروري أن يكون رجلاً! لأن الرجل هو المتصف بالاتزان وعدم العجلة والتأني وسرعة الغضب، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس الشديد بالصُّرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
فالرجل الشديد هو من يمتلك نفسه ومشاعره وانفعالاته أمام المرأة، ويقلل من عتابها:
أأعاتب امرأة على نسيانها
ومتى استقام مع النساء حسابُ
ويحسن التعامل معها بتقديرها واحترامها، لتحلو الحياة وتسودها السعادة المنشودة.
خالد بن محمد الأنصاري
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية