|
متابعة وتصوير - خليفة الخليفة
في رحلة (الجزيرة) خلال الأيام الماضية إلى دولة السودان الشقيقة لم تكن الأوضاع كما تعودنا في بر السودان الشاسع والمترامي الأطراف في رحلات سابقة حيث تنظم هيئة الحياة الفطرية هناك وتصدر تراخيص للصيد فبين رحلتنا عام 1428هـ وبين رحلة هذا العام تغيرات كبيرة في الصحراء لا أرض بكر ولا أرض خلاء حتى الصيد في تلك المناطق بدا قليلاً جداً مقارنة بالأعوام السابقة، وصلنا إلى سواكن على باخرة أبحرت بنا من جدة وكان في استقبالنا عدد من الإخوة السودانيين الذين سهلوا لنا إجراءات الدخول معبرين عما يكنونه لإخوتهم السعوديين من محبة ومن ثم انطلقنا إلى أحد الأماكن القريبة من بور سودان والتي حباها الله هذا العام بأمطار غزيرة ازدانت أرضها بالعشب والربيع المزهر فمكثنا آخر نهارنا وليلتنا هناك مؤكدين حبنا للبر إلى أن تم تجهيز وإنهاء إجراءات سيارة أخرى وإجراءات تنقلنا الرسمية ومستلزمات الرحلة، ومع الصباح وبعد الإفطار انطلقنا كالعادة إلى أرض المقناص التي لم تكن كما نريد، الأرض لم تكن الأرض التي عرفناها سابقا أرض مليئة بالبشر أينما اتجهت تجد أناسا في الخلاء يحملون أجهزة استكشاف المعادن ومعاول بأيديهم بأعداد كبيرة وآثار السيارات تجدها في كل مكان على غير العادة بصحراء السودان وحتى الحراثات على بعد أربعمائة كم من بور سودان تجدها في قلب الصحراء والمعدات الثقيلة تجدها هناك لفتت هذه المجموعات الكبيرة من البشر انتباهنا وهي تنتشر بكل مكان نأتي إليه توقفنا بالقرب من إحداها فإذا بهم يخرجون إلينا من أماكن لم نشاهدهم بها لا أعلم إن كانوا مختبئين أم لا أم أوجسوا منا خيفة! لكن مرافقنا أكد لنا أنهم مسموح لهم البحث عن الذهب سألناهم عن تواجدهم بالصحراء فقالوا نحن (الذهابة) نبحث عن الذهب وعن هذه الأجهزة التي يحملون معهم قالوا عندما بدأت اكتشاف الذهب بالأرض كان سعره يصل إلى ثلاثين ألف جنيه ما يقارب الخمسة والثلاثين ألف ريال أما الآن وقد سمحت الحكومة باستيراده وسمحت للمواطنين السودانيين بالبحث عن الذهب فنزل سعره إلى الخمسة آلاف جنيه، وعن جدوى تواجدهم قالوا هو رزق من الله لنا، وعن تواجدهم بالصحراء قال نمكث من شهرين إلى ثلاثة أشهر في البر ونحن مجموعات متعاونون نبحث عن الذهب في الصحراء عندما يؤشر الجهاز ويعطينا صوتا بوجود معدن نعلن الفرح فإما أن تكتمل الفرحة بالعثور على قطعة من الذهب أو تكون قطعة معدنية لا قيمة لها نقومالحفر على كل حال عندما يعطينا الجهاز الإشارة، وأثناء تواجدنا بالقرب منهم يبدو أن حظهم كان جيدا باكتشاف هذه القطعة الذهبية تابعت (الجزيرة) لحظة العثور عليها وشاهدت أساريرهم تنطلق فرحا بها وعن جمعهم من الذهب طوال الشهرين من التواجد بالصحراء يقولون حسب الجهد والعمل فقد يصل المحصول لكل مجموعة من كيلو إلى 3 كيلو من الذهب الخالص وقد نوفق بأكثر من ذلك وعن أعماق الذهب ووجوده يقولون لنا نجده على أعماق متفاوتة بين السنتيمترات والمتر تحت سطح الأرض.
وقد نستخدم العتل والمعاول وأحيانا نضطر لاستئجار الحراثات والمعدات الثقيلة لتقليب التربة، وعن معيشتهم وأوضاعهم قالوا نهارا نبحث عن الذهب وليلا نبحث عن الصيد لنقتات عليه ونطعم أنفسنا، غالبية الذهابة من قبيلة الرشايدة هناك فهم أهل صحراء ويعرفون سبلها وطرقها ويملكون السيارات التي تنقلهم فلا تعجب إن رأيت قوافل في الصحراء من خمس عشرة إلى عشرين سيارة تحمل الذهابين محملين بأمتعتهم من الرجال والشباب والصبية الذين امتهنوا حرفة البحث عن الذهب متوجهين إلى تلك المناطق كما قابلنا العديد من الشاحنات الكبيرة التي تحمل الذهابة إلى تلك الصحاري.
وعن اكتشاف هذا الذهب في الصحراء قالوا لنا: إنه لعامين مضت وقد ترك الكثير من الناس قراهم ومزارعهم وهاموا بالصحراء للبحث عنه، وينتشر الذهب بالأرض السمراء (السمر) وبولاية البحر الأحمر عامة بل إنهم ذكروا لنا أنه ينتشر من حدود إرتريا إلى حدود مصر مروراً بعطبرة في صحراء السودان وأقيمت له أسواق كأسواق الخميس عندنا في المملكة، في صحراء السودان يجتمع فيه الذهابة لبيع ما جمعوا من الذهب الخالص، وقد أثر ذلك على رحلات الصيد إلى تلك المناطق بالسودان، وقد تخسر جزءا كبيراً من ثروتها البرية بسبب تواجد تلك الأعداد الهائلة من البشر الذين يقدرون بالآلاف يمتهنون البحث عن الذهب وجمعه، بقي أن تعرف أن هذا الذهب يوجد في الأرض خالصاً لا يحتاج إلى تنقية لكنه بعيار 14.