تناول الكاتب حمد القاضي في زاويته (جداول) يوم 11 جمادى الآخرة علو الأبراج السكنية الاستثمارية على منائر الحرم المكي الشريف بقوله: بيت الله في مكة المكرمة هو أغلى معالم الدنيا ولهذا يجب أن يكون أعلى مباني مكة المكرمة، كما هو أعلاها معنى، وذكر الكاتب أنه لمس انزعاج كثير من الناس من ارتفاع المباني حول الحرم الشريف، مما حرم المسلم بأن يكون أول ما تكتحل به عينه وقلبه رؤية البيت الحرام، لكن العمائر الشاهقة حجبت الحرم، وتمنى الكاتب من الهيئة العليا أن تضع حدا لأدوار المباني المحيطة بالحرم، حتى تكون المنارات، هي أول ما يراه القادم إلى الحرم ا.هـ. وما ذهب إليه الأستاذ حمد القاضي هو مذهب السلف الصالح جيران البيت الحرام، وقد أشرت إلى مذهب السلف، قبل أن تنطلق العمائر الشاهقة حول البيت الحرام، ولم يكن هناك سوى عمارة شركة مكة للإنشاء والتعمير، وكانت إشارتي على النحو التالي: وقد كان السلف من المجاورين للبيت الحرام، يتوقفون في بناء بيوتهم عن الإشراف، الذي يعلو عُلوا غير مناسب على الكعبة المشرفة.
يقول الأزرقي في تاريخ مكة: كما أن بني العباس بن محمد بن عبدالملك بن العباس داره التي بمكة حيال المسجد الحرام، طلب من القائمين على عمل الدار، ألا يرفعوها فيشرفوا بها على الكعبة المشرفة، فيجعلوا أعلاها دون الكعبة فتكون دونها، إعظاما للكعبة أن تشرق الدار عليها، فكان شيبة بن عثمان يشرف على الدور: فلا يرى بيتا مشرفا على الكعبة إلا أمر بهدمه.
وكان الناس في مكة يبنون بيوتهم مدورة تعظيما للكعبة، فكان أول من بنى بيتا مربعا حميد بن زهير.. فقال قريش: رابع حميد بن زهير بيتا - أي بنى بيتا غير مدور خالف به الآداب العامة في مجتمع مكة- إما حياة وإما موتاً. انتهى.
وأشرت أيضا إلى أن هذه الإشارة الأدبية والتاريخية ليس المقصود بها، أن يكون البناء والعمران مطابقا للبناء والعمران في زمن السلف، فالبناء في سفوح الجبال العالية المحيطة بالبيت الحرام يشرف على الكعبة حتى ولو كان العمران في حدود دور واحد، ولكن المقصور بهذه الإشارة الأدبية التاريخية، تذكير رجال الاستثمار العقاري، بالجوانب الدينية والأدبية والتاريخية، حين يحصرون تفكيرهم - فقط- في المردود الاقتصادي المالي الكبير، عندما يطلقون العنان لنظرياتهم وطروحاتهم الاقتصادية والمالية، في إقامة عمائر وأبراج من ثلاثين أو أربعين دوراً، ويطلقون الوصف السياحي عليها: الإطلالة على البيت الحرام، ويغفلون - تماماً- عن المكانة الدينية والأدبية والتاريخية التي يحتلها البيت الحرام في قلوب المسلمين.
إن إقامة عمائر وأبراج عالية الارتفاع، وبمواصفات عالمية، واردة ومقبولة، ولا اعتراض عليها من الناحية التخطيطية والتنظيمية، لاستيعاب تدفق الحجاج والمعتمرين، وتزايدهم عاما بعد عام، ولكن تقام في المناطق والأحياء، البعيدة عن ساحات وسفوح وقمم الجبال المحيطة بالبيت الحرام، وتخضع في تحديد بعدها ومسافتها، لدراسة شرعية، ودراسة تخطيطية وفنية، تحت إشراف هيئة عامة أو مجلس تخطيطي عام، يرأسه سمو أمير منطقة مكة المكرمة. هذا التذكير بآداب السلف الصالح من جيران البيت الحرام، كان منشورا في جريدة الوطن الصادرة يوم 19-10-1421هـ قبل انطلاق العمائر الرأسية المجاورة للبيت الحرام، وأذكر أن مجلة اليمامة، خصصت (قضية الأسبوع) يوم 6-4-1406هـ لمشكلة التكدس في المنطقة المركزية وذكرت المجلة أو المشاركون أثناء طرح القضية أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ذكرت أن مكة المكرمة أعقد مدينة في العالم من حيث التضاريس، وقد ترتب على هذه الحقيقة، تكدس السيارات والعمائر، خصوصا في المناطق المتجاورة للحرم، وإذا كانت مكة في تقرير (ناسا) أعقد مدينة في العالم من حيث التضاريس، فإنها أوسع وأكبر مدينة في العالم، في قدسيتها وروحانيتها حفظ الله خادم الحرمين وضاعف له الأجر والثواب.
وكان الله له خير عون ومعين، وهادٍ ودليل في عنايته بالبيت الحرام والمشاعر المقدسة.
فاضل أحمد الحارثي - مكة المكرمة