أشير لليمن بمسمى (البلد السعيد) في منهج مادة الجغرافيا في المرحلة الثانوية، برغم أن الوضع الاقتصادي ليس على ما يرام، إضافة إلى الطابع القبلي المتناحر الذي يسيطر على الفكر الجمعي.
وقد سألت معلمة المادة حين دراستي الثانوية كيف يكون هذا البلد سعيداً وهو لا يملك مقومات السعادة الحديثة؟ وكان ردها إذ ذاك لطالبة كثيرة الجدل بأن (السعادة مش بالفلوس؟) ولم أكن أقصد الفلوس تحديداً بل كنت أقرأ عن التوتر السياسي والاجتماعي وشيوع البطالة وانتشار الفقر وزراعة القات، فكيف يتفق ذلك مع السعادة؟! وربما لم يكن لدى المعلمة المزاج الكافي أو التمكن العلمي الوافي لإرضاء فضولي المعرفي، فظل السؤال معلقا، حتى أنني كنت في كل صيف أرغب أن تكون وجهتي السياحية إلى اليمن لفك أسر سؤالي، ويقيني أنني سأجد هناك إجابة كافية له، إما أن تكون الصفة حقيقية فأقتنع، أو يؤكد لي حدسي بأن المسمى لا يعدو أن يكون ضرباً من التفاؤل بقدوم السعادة، كتسمية القافلة بهذا الاسم برغم ذهابها وليس قفولها. وللعرب حاجات وطلعات!!
والآن يتفطر قلبي ألماً على اليمن بلاد الحكمة ومهد الحضارات ووطن التاريخ الذي يتناحر فيه أبناؤه وينقسمون إلى فرقاء، وليت هذا الأمر توقف على القناعات والرؤى والهتافات، ولكنه امتد لحصد الأرواح والتفجيرات. حتى أصبح عراقاً آخر! وكأننا لا بد وأن نستيقظ يوميا على فقد أعزاء مسلمين وعرب، أطفال وشباب ورجال قامت على أكتافهم نهضة حضارية ضاربة في العمق والعراقة!
وإن كان اليمن بلداً شقيقاً نتقاسم معه حدودنا الجنوبية؛ إلا أنه صاحب فضل علينا في إبان حقبة تاريخية من خلال وجود أبنائه يشاركوننا بناء وتشييد آلاف البنايات الشاهقة، كما تسلم كثير منهم أعمالاً شاقة وحرفية. وعرف عن أبناء اليمن المهارة والحذق في إنجاز أعمالهم، وبوقت قياسي، وهذا لا يجهله مواطنو المملكة ولا ينكرونه عنه مطلقاً.
وما نراه اليوم من معارك تدور رحاها على أرض اليمن لا يحقق الرؤية التي أقرها أبناؤه ويسعى العقلاء لتحقيقها ليكون البلد سعيداً حقاً ليس بالأماني ولا بالفأل، ولكن بالعمل والابتعاد عن الصراعات والتفجيرات التي لا تخلق إلا تعاسة وبؤساً وألماً وجراحاً لا تندمل! ومعروف أن لغة التفجير لا تبني الدول بل تهدمها، وانعدام الأمن يقوض أركان الدولة ويشيع الخوف. وليس أشد من الخوف والهلع والترويع!
إننا -ونحن نرى ما وصلت له الأمور من تفاقم للوضع الأمني- نرتئي بالحكمة اليمانية أن تبرز اليوم، وليس الغد، فتحكم قبضة الوضع من الانفلات، وتجمع الفرقاء على كلمة سواء، أساسها وحدة الدولة ومصلحة شعبها، فاليوم دورها وحسب! فقد تعبنا فقداً لأحبائنا وأُثخنّا جراحاً، وتوقفت الأعمال، وانهار البناء وتحطمت النفوس.
وعن قريب، نرجو أن تأتي لنا الأخبار من سبأ بنبأ يقين، بتفوق الحكمة اليمانية على جميع الصراعات، وشيوع الأمن والسكينة محل الخوف والذعر!!
rogaia143@hotmail.comwww.rogaia.net