تنسب هذه المقولة إلى الأديب الكوبي «خوسيه مارتي»، وعلى فكره فهذا الرجل يعد من أبرز الوطنيين الكوبيين المناضلين ضد الاستعمار الأسباني ، وما يلفت نظر القارئ في سيرة خوسيه إعجابه الشديد بالشخصية العربية ورصده لحركة التحرر في الوطن العربي بشكل دقيق رغم أنه لا يمت للعرب بصلة، ولم تطأ قدمه أرضاً عربية أبداً.
لقد كتب مسرحيته الشعرية الأولى وهو ابن السادسة عشر من عمره عن حركة التحرير في كوبا وسماها « عبد الله»، وبطلها فتى مصري من النوبة، كما أن له ديونا شعريا مشهورا جسد فيه شخصية إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وخص العرب فيه بإشارات كثيرة عنوانه « إسماعيل الصغير».
وفي معرض تعليقه على لوحة تحمل اسم «واقعة تطوان» رسمها الفنان الشهير «ماريانو فورتوني»، يقول عن العرب: (.. تلك المخلوقات الرشيقة اللطيفة التي تشكل الشعب الأكثر نبلا وأناقة على سطح البسيطة..).
ومن أقواله التي تحتاج منا إلى تمعن وتفكر قوله: (ينبغي الاستفادة من العربي في أمرين على الأقل: صلواته اليومية حيث يدعو الله الهداية للسير على الصراط المستقيم، وذلك المثل القائل الكلاب تنبح والقافلة تسير)، وفي معرض نقده لمفهوم التواكل وترك الأسباب دون العمل وبذل الجهد يقول خوسيه: (إن من يقتصر على الابتهال إلى الله من أجل مواجهة كل طارئ إنما يدين نفسه بعدم القدرة على الاستيعاب)، ويعبر هذا الكوبي الوطني عن شغفه بتربية الخيول العربية ومدى إحساس العربي بفرسه وحميمية العلاقة بينهما بمقولة شاعرية رائعة؛ إذ قال: (إن العربي البسيط حين يتحسس جواده بيديه كأنه يتحسس أعماق نفسه).
وفي ذات الوقت حمل مارتي بشدة وبوعي مدهش على فكرة عبقرية الرجل الأبيض، التي يروّج لها الأوربيون؛ إذ يقول في معرض الذم: (... ذلك هو منطقهم: أن يعلي قيمة بلطجي أيرلندي أو مرتزق هندي ممن خدم الدول الأوروبية على حساب عربي من المتبصرين في الأمور، المترفعين عن الدنايا، والذين لا تثبط عزمهم هزيمة، ولا يعرفون التخاذل حيال الفارق العددي بينهم وبين أعدائهم، بل يدافعون عن أرضهم ورجاؤهم على الله).
الشاهد أن مصر قبل حوالي 130 عاماً وعلى وجه التحديد عام 1881م شهدت اندلاع ثورة شعبية ضد الخديوي شارك فيها الجيش، وما أن شعر الإنجليز بقرب جني الثمرة ونجاح الثورة حتى تدخلت قواته بشكل سافر ومفضوح (.. بذريعة الاضطراب وعدم الاستقرار الناجم عن الثورة وتبدل المصالح).
رصد خوسيه تلك الأحداث التي احتضنتها أرض الكنانة بشكل دقيق، مصوراً ما حدث في مصر على أنه جزء من ثورة عربية عامة ذات صبغة إسلامية صرفه هدفها تحرير الشعوب العربية من نير الاستعمار، ويسمى تلك الثورات بـ» الموجة المحمدية»، وجذور هذه الثورة تكمن عنده (.. في أوضاع الاستغلال والتعسف التي تخيم على أرض العرب)، ولذا كان الثوار المصريون يرددون في شعاراتهم (لتسقط هذه الوزارة التي تبيعنا لإنجلترا.. أعطونا دستوراً يضع الحكومة المصرية بيد المصريين).. مدفوعين في كل هذا بروح الاستقلال العظيمة والإنهاك الذي يتعرض له البلد بسبب الاستغلال الخارجي.
لقد كانت مصر كما يقول خوسيه (.. تسعى آنذاك إلى أن تكون سيدة نفسها).. فهل تحقق لها ذلك؟، وهل يعيد التاريخ نفسه أم أن لجيل الحاضر كلمة أخرى؟ هذا ما ستكشفه لنا أيام الغد القريب، وإن كنت شخصياً أرجح الاحتمال الأول.. إذ إن لله في أرضه سننا، وللتاريخ حركة منضبطة لا تجامل ولا تتبدل ومن أراد المزيد فليقرأ الأحداث وليعد إلى الصفحات الصفراء..
وإلى لقاء والسلام.