شركات الاتصالات لدينا من أرخص شركات الاتصالات في العالم، إن لم تكن أرخصها، فنحن نعيش في منظومة اتصالات يدفع اللاحق ضعف رخصة السابق كي يتاح مجال للمنافسة غاية في الجدية، وكي لا ترتفع أسعار المكالمات فأنت تستطيع أن تحصل على خط هاتف نقال في المملكة بما يقارب الثلاثين ريالا..
...وبعدد من المكالمات المفتوحة بين كثيرمن الدول المجاورة، بالطبع بعد إضافة مبالغ لا تذكر من رسوم اشتراكات، وتأسيس، أو باقات قد تطلبها على مزاجك و تتزايد كل يوم، ويتم ذلك برسالة صغيرة لا تعب ولا هم يحزنون.
شركات الاتصالات في السعودية لا تتقاضى كل شهر إلا رسوم تأسيس وخدمة بمعدل ثمانين ريالا شهرياً، مبلغ صغير بالمقارنة مع رسوم شركات عالمية مماثلة. رغم أن بعضها دفع اثني عشر مليار ريال، أو واحدا وعشرين مليار ريال في حالة أخرى، ضماناً لتقديم خدمة راقية وميسرة للمواطن. و هذا بلا شك إنجاز لهيئة الاتصالات الموقرة لاستطاعتها جلب هذه المبالغ للخزينة العامة دون أن يتكلف المواطن كمستفيد من الخدمات، أو المساهم، أي كلفة. وهذا يعد ضمانة ضد رفع أسعار المكالمات مستقبلا. وللمعلومية فإن رخص الاتصالات تعد في الدول الأخرى نوعا من الضرائب الاستباقية على تشغيل الهواتف، بينما هي لدينا جزء من تقديم الخدمات للمواطن، وتذهب للخزينة العامة.
هيئة الاتصالات التي حققت نجاحات كبيرة في المزايدة على رخص الجوالات تجهد نفسها بمراجعة عقود الاتفاقات التي تتفاهم حولها هذه الشركات مع المواطنين. ولديها مكاتب مشرعة يعتد بها لتلقي شكواهم. بل إنه عندما يتقدم المواطن بشكوى على شركة للاتصالات، فإن الشركة ذاتها تتولى تلبية شكواه، ففي أغلب الأحوال تصله بعد فترة وجيزة رسالة «أي أم اس» تقول: راجعنا اعتراضك، ويسرنا إعادة مبلغ الاعتراض لحسابك. كما وأنه، ولله الحمد والمنة، هناك بديل آخر هو أن يكتب المواطن خطاب صغير يرسله بالفاكس للهيئة ويسلمه لهم ويتلقى ردا فوريا عليه بإثبات حقه.
خذ مثلاً، لو تأخر مواطن في السداد وقطع خط هاتفه فكل شيء في الخدمة يتوقف، عدى الرسوم، رسوم الخدمة، فلماذا تقطع هذه الرسوم الذي توقف فقط هو الخط الهاتفي فقط؟ ألا يحتاج المواطن للاحتفاظ برقمه؟ وتراكم الرسوم البسيطة شهر أو عدة أشهر لايؤثر بشكل من الأشكال على عدم قدرة المواطن على السداد، بل يعتبر درسا له في الانتظام في السداد، وهو أخف من قطع الهاتف نهائيا، ومما يؤسف له أن هناك من تطاول على هذه الشركات الوطنية وشبه تراكم الرسوم هذا بالربا المحرم، مع أنه مجرد إضافة أرقام لرسوم اشتراكات. والأدهى هو أن المواطن، الشارد الذهن في معظم الوقت يضيف كثيرا من الخدمات على هاتفه دون علمه: خدمة الأصدقاء، خدمة المدام، خدمة مكالمات الشغالة، خدمة السائق، خدمة أخبار النادي، وهلم جرا، جميعها قد تستمر كرسوم بعد انقطاع الخدمة، ثم يرفض الدفع! أما إذا أراد المواطن الاستفسار عن فاتورته، فقد وظفت الشركات مشكورة أفضل أنظمة الاستجابة الآلية التي تكفل تحقيق طلبه على الفور.
وقد أضافت مؤسسة النقد،- حفظها الله-، للقطاع الخاص مؤخراً خدمة معرفة من يدعون العجز عن السداد بأية حجة أو تحجج، وذلك لتحديد قدرتهم الائتمانية حتى تدربهم على الصرف حسب قدرتهم والانتظام في إيفاء الآخرين حقوقهم، وهي شركة قديمة جديدة أطلق عليها «سمة» وكانت بنوكنا الوطنية و شركات اتصالاتنا العالمية من أول زبائنها. وتم تعزيز قدرة الشركة على التحول لكيان استثماري ناجح نيابة عن إرهاق المؤسسة المنشغلة بهموم اقتصاد الوطن، ورفاهية المواطن. وهذه الشركة تذكرنا بتحصيل الرسوم الميسرة في الدول المتقدمة. فلوتأخرت في تسديد فاتورة الهاتف حول اسمك مباشرة وبفضل التقنيات الحديثة وعبر رسالة «بإس إم إس» لهذه الشركة التي مصدر دخلها الوحيد من تقديم مثل هذه الخدمة الجليلة للقطاع الأعمال. وكل ما تقوم به الشركة هو أنها تخفض قدرتك وتصنيفك الائتماني» لبضعة أعوام لتذكرك بأهمية العمل على رفعه
لاحقاً، يعني أنك ستحصل على قرض في المستقبل من أي مكان ولكن بارتفاع بسيط في الفوائد. و لو حصل وسددت الفاتورة بعد فترة وجيزة حرصت الشركة على تنبيهك بإبقاء اسمك على لائحة «المتعثرين في السداد» لمدة عامين فقط. وقد لا يخفى على الفطنين بأن هذه ليست مقدمات لإقراض الناس مستقبلاً بنسب متفاوتة، لأنه بعد سنتين من السداد يرفع الاسم.
أحد المعارف، وهو مهندس معماري في غاية الذوق واللطف أخبرني بإعجاب بالغ كيف أنه توقف عند أحد مكاتب شركة اتصالات، وهي تسمى مكاتب مقاولين لأنها لا تتبع للشركة وتعمل لصالحها وصالح المواطن من الباطن، زميلنا صفي حساب تلفونه وبقي فيه عشرة ريالات، دفعها ولكن حصل خطأ ما ولم تورد وهو لم يحتفظ بالإيصال لأن المبلغ تافه، وهذا على فكرة نادراً ما يحدث في مكاتب المقاولين هذه حيث يدفع المواطن المبلغ ويورد بعد ذلك فوراً. تصوروا عشرة ريالات فقط أرسلت كبلاغ عنه «لسمه»، و عرف فيما بعد عن ذلك عند مراجعته أحد البنوك فتعجب من دقة وموثوقية هذا النظام، وهنا نعرف أن هناك مصاريف إضافية لتقديم الخدمات الهاتفية، وكل ما على المواطن حتى يستطيع الاستعلام عن موثوقيته الائتمانية من «سمه» أن يدفع مبلغ مئة ريال فقط! مئة ريال مقابل هذه الخدمة الإليكترونية المتطورة جداً. وهذا يوضح تكاتف الجهات المختلفة، خاصة وعامة لتقديم أفضل الخدمات للمواطن.
ولو حصل لا سمح الله وتعطل نظام الفوترة بشكل كامل في شركة ما، وهو أمر لم يسبق الحدوث، كما تدعي بعض الإشاعات، فإن الشركة تبادر لإصدار فواتير من جهاز الفوترة المساند، بل وقد تمنح المواطن أشهرا مجانية من قبيل تحسين صورتها، وهذا يدل على تطور أجهزة إدارة العلاقات العامة في شركات الاتصالات لدينا. والشيء ذاته يحدث مع كثير من البنوك عندما تخطئ في حسابات العميل ويكتشف ذلك لاحقا، فكل ما يحصل هو أن البنك يعد العميل فوراً بتسوية الموضوع في غضون ثلاثة أسابيع فقط، ثم يشعره وبكل أسف برسالة على هاتفه بتعديل الوضع.
وقد أتاحت شركات الاتصالات مجالات إشعار المواطن بالخدمات المتوفرة في المجتمع فهي ترسل للنساء اللائي ينشغلن بأمور بيوتهن في المنازل رسائل من مشاغل الخياطة، و عيادات إزالة الشعر، ومختبرات التجميل، و تحليل الدم، ودور الأزياء. فالهاتف يمكن أن يكون منفذاً للدعاية البناءة. تصور أنك في اجتماعات متواصلة، أو منهمك في عمل مهم، وتستطيع الحصول على أخبار عن خدمات تقدم في المجتمع برسائل نصية من الجوال القريب منك، لا شك أن ذلك سيوفر كثيرا من الوقت عليك.
شركات الاتصالات أيضاً تدعم الفعاليات الاجتماعية بعد استشارة من مساهميها في جمعياتها العمومية، وهي تحرص على تلك التي تكون مؤثرة في المجتمع من قبيل التقرب من الأنشطة العامة، حتى أنها أحياناً تدعم الأنشطة في مدراس الأحياء، وتتبرع بملاعب للأطفال، وتخصص فواتير مخفضة للأيتام والأرامل الفقراء. بل إنها تعمل على إبراز صورة الوطن في الخارج برعاية الفرق والأنشطة الرياضية العالمي، وهذه جميعها خدمات ذات كلفة مضافة.
لاشك أن مديري شركات الاتصالات لدينا ضربوا أروع المثل في استقطاب التقنيات الحديثة، وفي الحفاظ على روح التنافس الشريف، وفي دمج الاتصالات بالمجتمع، ونحن كمواطنين ومساهمين من يستفيد بطريق غير مباشر من كل هذه الخدمات. وكل ما علينا، هو أن نقلل من الاعتراض على الفواتير لأن ما ندفعه باليد اليمنى نستلمه خدمات مختلفة غير مباشرة باليد اليسرى.
latifmohammed@hotmail.com