وأنا أقرأ الأمر الملكي الأخير بشأن: (الموافقة على الخطة التفصيلية والجدول الزمني المتضمنة الحلول العاجلة قصيرة المدى والحلول المستقبلية لمعالجة تزايد أعداد خريجي الجامعات المعدّين للتدريس وحاملي الدبلومات الصحية بعد الثانوية العامة، وذلك بالصيغة المرافقة)، خطر ببالي بيت من الشعر الشعبي السعودي للشاعر الكبير محمد العوني، يقول فيه مخاطباً الملك عبدالعزيز - رحمه الله -:
اضرب على الكايد ولا تسمع كلام
العز بالقلطات والراي الصليب
و(القلطات) تعني هنا المبادرة والحسم والعزم، ومواجهة الأمور حسب ما يُمليه الرأي والحكمة والعقل، لا ما يُثيره المترددون والخائفون والمرجفون والوجلون.
الخطة التي وافق عليها - حفظه الله - في الأمر الملكي الأخير تضع المجتمع على الطريق الصحيح، يتساوى فيها الرجالُ بالنساء، وهي (مبادرة) تحسم الجدل، وتتجه بالمجتمع نحو حل مشاكله التنموية، وعلى رأسها (البطالة)، غير عابئة بإرضاء هذا أو مجاملة ذاك. وحسب ما هو واضح في مضامينها فإنها ستوفر على أرض الواقع، وبمجرد تطبيقها، فرص عمل لمئات الآلاف من السعوديين والسعوديات، حاضراً ومستقبلاً، كما أنها ستحد في المقابل من اعتمادنا على العمالة الأجنبية. ولعل أهم ما احتوته الخطة المعتمدة هذه أنها حدّدت مهلة زمنية لتطبيق هذه الإجراءات الإصلاحية، فمن تجاربنا مع الأجهزة البيروقراطية الحكومية أن (المشاكل) التنموية لا تنتهي في كثير من الأحايين بصدور الأوامر والتوجيهات من القمة السياسية لحلها؛ فالمشكلة غالباً ما تأتي من المنفذين في المستويات الأدنى؛ فعندما يتلقاها الجهاز البيروقراطي الحكومي المعني بالتنفيذ، أو الإشراف على التنفيذ، يتعطل الأمر في الدهاليز البيروقراطية، في الوقت الذي تكبر فيه المشاكل وتتضخم، حتى تصبح مثل كرة الثلج المنحدرة من أعلى التل، يزيد حجمها مع مرور الوقت، وعندما يبدأ التنفيذ تصبح (فعالية) هذه الحلول محدودة، وربما متأخرة؛ ما يجعل المشكلة عند التنفيذ تبدو وكأنها مستعصية على الحل. ولتفادي ذلك أقرّت الخطة عاملَيْن في منتهى الأهمية:
الأول: الحد الأقصى الزمني للتنفيذ، الذي يبدأ من أسبوع في بعض القرارات، وسنة في بعضها الآخر.
الثاني: تحديد الجهات الحكومية المعنية بالتنفيذ على وجه الحصر لكل قرار.
وهذا يعني أن (البطء) في تنفيذ هذه القرارات، أو المماطلة في تنفيذها من قِبل بعض البيروقراطيين، مهما كانت الأسباب والمبررات، يعني عملياً أن الجهة المعنية بالتنفيذ (تخاذلت) عن أداء مهمتها؛ وبالتالي تجب (محاسبة) من لم يهتم بالتنفيذ ضمن الحيز (الزمني) الذي حددته الخطة.
النقطة الثانية التي احتوتها الخطة، وهي في تقديري أهم ما جاء فيها من حيث بُعدها الاجتماعي بالنسبة للمرأة، تلك المتعلقة بإنشاء إدارات نسوية لدى الأجهزة التي لم تقم بعد بإنشاء مثل هذه الإدارات، التي سبق أن أقرها مجلس الوزراء، وتخصيص أراض لإقامة مشروعات صناعية تعمل فيها النساء، وتطبيق مبدأ العمل عن بُعد لتوسيع مشاركة عمل المرأة. وكذلك تفعيل قرار (تأنيث) من يتولى بيع مستلزمات النساء، وحصرها في السعوديات فقط. وهذه النقطة بالذات كانت مثار جدل ونقاش وأخذ ورد استمر لأكثر من سنوات، عندما أقرت وزارة العمل آنذاك حصر بيع المستلزمات النسائية في النساء فقط. التيار المتشدد مانع بشدة حينئذ، وأقام الدنيا على القرار، على اعتبار أن مثل هذا القرار سيتيح العمل للمرأة في الأسواق. وحسب (أدبيات) المتشددين في المملكة فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه في رأيهم قد يؤدي إلى ما يسمونه (الاختلاط) بين الرجال والنساء، أما أن يبيع الرجل للمرأة حتى ملابسها الداخلية فذلك في أعرافهم العجيبة الغريبة (لا بأس فيه)!. تسأل: (أين الدليل؟)، فلا تجد إلا التشدد، والتعصب للعادات والتقاليد الموروثة، والتحصن لتنفيذ أهوائهم بحجتهم المحببة إلى قلوبهم (سد باب الذرائع)، مع أن سد باب الذرائع، فضلاً عن المحاذير الأخلاقية، تستدعي أن تبيع المرأة للمرأة ملابسها الداخلية وليس الرجل؛ لكن لله في خلقه شؤون!
قبل الختام أقول: أفضل ما قرأت هذه الأيام في (تويتر) على الإنترنت، عبارة تقول: (فلسفة سد باب الذرائع في المملكة تعني منع المرأة من الحلال كي لا يقع الرجل في الحرام). وهذا في رأيي توصيف دقيق لممانعات بعض الوعاظ المنتمين لدينا للفكر المتشدد.
إلى اللقاء.