أكدت دراسة أجراها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني،شارك فيها أكثر من 5 آلاف شخص،بأن: المدرسة،ثم وسائل الإعلام،ثم المسجد،وخطب الجمعة،تُعتبر من أبرز العوامل المؤثرة في ثقافة الحوار الأسري لدى المجتمع السعودي، بينما تأتي عوامل أخرى،كالزملاء،والأنشطة الثقافية،ومراكز التدريب،ومراكز الاستشارات الأسرية،بعدها في مستوى التأثير.
ولأننا نعيش عصراً يشهد تحولات كبيرة،ذات انعكاسات عميقة على الأسرة،فإن تنمية مهارات الحوار الإيجابي،يُعتبر أمراً ضرورياً في بناء ركيزة الأسرة،وتحقيق لغة التواصل بين أفرادها،باعتبارها الحلقة الأكثر أهمية في تضمينها رسائل للذات،تعزز إيجابياتها،وتعالج سلبياتها،وتمتد نتائجها المثمرة؛ لتشمل النطاق الكوني.
إن حسن إنصاتنا لأبنائنا دون وسيط ثالث،مع مراعاة مستويات تفكيرهم وعقولهم،والدخول معهم في حوار قائم على منهج الإقناع والجدل والتفكير والنقد البناء،سيساعدهم في التنفيس عمَّا بداخلهم،ومعرفة مستلزماتهم وحاجاتهم ورغباتهم وطموحاتهم. ولذا فإن كثيراً من المشكلات تم تجاوزها وإيجاد الحلول لها،عندما تم إتباع الحوار أسلوباً في التعامل والمعالجة. وهذه الطريقة ستقودنا إلى غرس هذه الثقافة والتخاطب معهم بقناعاتهم،عن طريق مهارتي التعبير والإنصات،كونهما تشكلان القناة الأهم في التواصل بين أفراد الأسرة.
في المقابل،فإن إهمال هذا الجانب سيكرس أحادية الرأي القاطع،وسيصادر الآراء المعارضة،وسيخلق شخصية أنانية في التعامل البشري،وبالتالي فإننا لن نستطيع أبداً أن نتعرف على مشكلات أبنائنا،وانحرافاتهم السلوكية والفكرية،ومن ثم معالجتها. ولن أكون متشائماً عندما أقول: إننا نعاني من مشكلة تدني،أو انعدام ثقافة الحوار داخل الأسرة،وهو ما أفرز حالة «الطلاق الوجداني» بين أفراد الأسرة،كما عبَّر عنه علماء النفس،أو «الرهاب الاجتماعي»، نتيجة غياب ثقافة الحوار داخل الأسرة. ولذا فإن إتاحة لغة الحوار بين الأبناء دون استثناء،سيكون قاسماً مشتركاً عند تقبل الاختلاف في الآراء،وذلك بالتشاور،والتأني في الحكم.
إن خلق علاقات أسرية قوية،وتأطير ثقافة الحوار لديها،هو أسلوب الحياة السائد،في زمن كثرت فيه المغريات. ولن يؤتي أكله إذا لم يكن مشبعاً بقيمه الروحية،والخلقية،والفكرية،والسلوكية،والذوقية. وحتى يكون الحوار مثمراً،لا بد له من نشر أسسه بين أبنائنا؛ ليكونوا الأقدر مستقبلاً في تنمية هذه الثقافة،وستكتمل أركان الموضوع،عن طريق مشاركة الجهات ذات العلاقة،كوزارة التربية والتعليم،ووزارة الشؤون الاجتماعية،ووزارة الثقافة والإعلام،في تفعيل ثقافة الحوار،وتجسيد قيمه.
بقي أن أشير إلى تصريح مدير عام إدارة الدراسات والبحوث والنشر في المركز د. محمد الشويعر بأن: «من بين النتائج التي خلصت إليها دراسة الحوار داخل الأسرة، أن نحو 64 % من العينة، أكدوا موافقتهم على أن تكون الأم وسيطاً للحوار مع والدهم، فيما أجمع نحو 70 % من عينة الدراسة من الأبناء،بوجود تأثير كبير من الأم على رأي الأب في القضايا التي تخص الأبناء»، مما يدل على أن الأم المتعلمة بشكل جيد،تستطيع إيجاد أرضية مشتركة،وقيماً مشتركة بين أطراف الأسرة،والتخلص من حالة الأنا. كما تستطيع تشكيل جسر قوي؛ للتواصل بين الأجيال،وتعميق لغة الحوار.
drsasq@gmail.com